الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مآل إطلاق النظر إلى الأفلام الخليعة

السؤال

عندي شبهة لو سمحت أرجو الإجابة عليها. قرأت في موقعكم المفضل أن مشاهدة الأفلام الخليعة من الكبائر، فكيف تكون من الكبائر وفعل الصحابي الذي ذهب للرسول صلوات الله عليه وسلم، وقال إني لاقيت امرأة في أقصى المدينة فأصبت منها دون أن أمسها فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم: ..... ثم تلا عليه قول الله تعالى: وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل إن الحسنات يذهبن السيئات.
ولا شك أن (الحسنات يذهبن السيئات) تكون للذنوب الصغيرة وليست للكبائر. والسؤال هنا كيف يكون مشاهدة الأفلام الخليعة من الكبائر في حين أن فعل الصحابي من قبل وأحضان ليست من الكبائر مع أنها أخطر من مشاهدة الأفلام الخليعة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فنشكرك على الاتصال بنا، وعلى هذا الاستشكال المهم، واستدلالك بالحديث. ونفيدك أن الأصل في نظر العورات هو عده من الصغائر؛ لما في الحديث المتفق عليه عن ابن عباس قال: ما رأيت شيئاً أشبه باللمم مما قال أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا أدرك ذلك لا محالة، فزنا العينين النظر، وزنا اللسان النطق، والنفس تمنى وتشتهي، والفرج يصدق ذلك أو يكذبه.

ولكن نظر الأفلام الخبيثة من أخطر أنواع نظر العورات؛ لأنه يصور العورة وفعل الفاحشة مما يجعل ناظرها يتعلق قلبه بفعل الفاحشة، وربما يكثر من النظر ويصاب بالإدمان، وقد يجره ذلك إلى ارتكاب الزنى، والزنى من الكبائر، وقد نهى الله تعالى عنه بصيغة تتضمنه وما يؤدي إليه، وذلك بقوله: وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً {الإسراء:32}

والنظر من أكبر الدواعي إليه، ولهذا لما أمر الله المؤمنين بغض أبصارهم أتبع ذلك بالأمر بحفظ الفرج، فقال: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُم {النور:30}

ومن المعلوم عند أهل العلم ان الصغائر لا يجوز التساهل فيها، وأن الصغيرة مع الإصرار عليها قد تتحول إلى كبيرة، بالإضافة إلى أن الإدمان على الصغائر سبب لهلاك الإنسان، لان الذنوب إذا تكررت واجتمعت نتج عنها الران الذي يعلو القلب، كما قال سبحانه وتعالى: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ{المطففين:14}

وروى الترمذي وابن ماجه بسند حسن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن العبد إذا أخطأ خطيئة نكتت في قلبه نكتة سوداء، فإذا هو نزع واستغفر وتاب سقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران الذي ذكره الله (كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) .

وروى الإمام أحمد والطبراني وغيرهما من حديث سهل بن سعد مرفوعاً: إياكم ومحقَّرات الذنوب، فإنما مثل محقرات الذنوب كمثل قوم نزلوا بطن وادٍ، فجاء ذا بعودٍ وجاء ذا بعودٍ حتى جمعوا ما أنضجوا به خبزهم، وإن محقرات الذنوب متى يؤخذ بها صاحبها تهلكه.

وعند النسائي وابن ماجه من حديث عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لها: يا عائشة إياك ومحقرات الذنوب، فإن لها من الله طالباً. وصححه ابن حبان.

وقد روي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: لا صغيرة مع الإصرار، ولا كبيرة مع الاستغفار. رواه البيهقي وغيره.

وحد الإصرار الذي يجعل الصغيرة كبيرة ما قاله ابن عبدالسلام في قواعد الأحكام : إذا تكررت منه الصغيرة تكرراً يشعر بقلة مبالاته بدينه إشعار ارتكاب الكبيرة بذلك ردت شهادته وروايته بذلك. . اهـ

وقد نبه ابن عبد السلام أيضا إلى أن درجة خطورة الصغيرة يرفعها لمستوى الكبائر فقال في قواعد الأحكام: إذا أردت معرفة الفرق بين الصغائر والكبائر، فاعرض مفسدة الذنب على مفاسد الكبائر المنصوص عليها، فإن نقصت عن أقل مفاسد الكبائر فهي من الصغائر، وإن ساوت أدنى مفاسد الكبائر أو أربت عليها فهي من الكبائر. اهـ

ولا تخفى عليك المفاسد المترتبة على هذه العادة، من ضياع الأوقات والتفريط في الطاعات وإفساد الشباب وتخريب البيوت، ثم إن المدمن على هذه العادة ينظر غالبا نظر شهوة، وربما يواصل نظره حتى يستمني، ونظر الأجنبية بشهوة مع خوف فتنة عده الهيتمي من الكبائر.

وقال ابن القيم رحمه الله: وها هنا أمرٌ ينبغي التفطّن له، وهو أن الكبيرة قد يقترن بها من الحياء والخوف، والاستعظام لها ما يلحقها بالصغائر. وقد يقترن بالصغيرة من قلّة الحياء، وعدم المبالاة، وترك الخوف، والاستهانة بها ما يلحقها بالكبائر. بل يجعلها في أعلى المراتب. وهذا أمرٌ مرجعه إلى ما يقوم بالقلب. وهو قدر زائد على مجرّد الفعل. والإنسان يعرف ذلك من نفسه ومن غيره. انتهى.

هذا، ويجدر التنبيه الى أن الوعد بالمغفرة الذي ذكر السائل متعلق بالصغائر،التي ندم صاحبها عليها وجاء تائبا. واما المدمن المصر على هذه العادة الخبيثة فلا يدخل في ذلك لأنه لا بد لمن أراد تكفير سيئاته بما يفعله من الحسنات أن لا يكون مصراً عليها، كما قال تعالى: وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ {آل عمران:135}

كما ينبغي التنبه إلى أن خطاب أهل العلم في العادة يختلف في تشدده وتساهله مع التائب ومع من يتوهم أنه يفكر في فعل المعصية، كما في قصة ابن عباس مع من سأل عن قتل النفس. وراجع الفتوى رقم: 6617، والفتوى رقم: 2778، والفتوى رقم: 103781.

. والله أعلم

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني