السؤال
الأئمة اللذين نصلي وراءهم في بلدي (المذهب المالكي) لا يتركون الوقت للمصلين لدعاء الاستفتاح بعد تكبيرة الإحرام ولا للدعاء بعد التشهد الأخير وقبل السلام في الصلاة الجهرية. فكيف العمل ؟ في نفس السياق أسأل متى تقرأ الفاتحة في الصلاة الجهرية والإمام لا يسكت سكتة خفيفة لا بين الآيات ولا عند نهاية قراءة الفاتحة ؟ وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما قراءة الفاتحة فإنها واجبة على المأموم في كل ركعة من ركعات الصلاة سرية كانت أو جهرية في أصح أقوال أهل العلم عندنا، ولتفصيل الخلاف ومعرفة أصول الأدلة في المسألة تنظر الفتوى رقم: 121558، فإن سكت الإمام فليقرأ المأموم في سكتاته وإن لم يسكت فإنه يقرأ حيث شاء، سواء قرأ معه وهو يقرأ الفاتحة أو قرأ في أثناء قراءته للسورة، وانظر الفتوى رقم: 132715.
وأما الاستفتاح فإنه سنة لا واجب، فلو شرع الإمام في القراءة مباشرة دون أن يسكت ريثما يستفتح المأموم، أو دخل المأموم متأخرا والإمام يقرأ فهل يستفتح أو لا؟ في ذلك خلاف بين العلماء، ومذهب الشافعية وجماعة من الحنابلة أنه يستفتح، إلا إذا خشي ألا يتمكن من قراءة الفاتحة فيقدم قراءتها ويترك الاستفتاح. قال النووي في المجموع: وإن أدركه في القيام وعلم أنه يمكنه دعاء الاستفتاح والتعوذ والفاتحة أتى به نص عليه الشافعي في الأم وقاله الأصحاب، قال الشيخ أبو محمد في التبصرة: ويستحب أن يعجل في قراءته ويقرأ إلى قوله وأنا من المسلمين فقط ثم ينصت لقراءة إمامه، وإن علم أنه لا يمكنه الجمع أو شك لم يأت بدعاء الاستفتاح فلو خالف وأتى به فركع الإمام قبل فراغ الفاتحة فهل يركع معه ويترك بقية الفاتحة أم يتمها وإن تأخر عنه؟ فيه خلاف مشهور سنوضحه إن شاء الله تعالى حيث ذكره المصنف، وإن علم أنه يمكنه أن يأتي ببعض دعاء الافتتاح مع التعوذ والفاتحة ولا يمكنه كله أتى بالممكن نص عليه في الأم. انتهى.
وذهب بعض أهل العلم إلى أن المأموم لا يستفتح حال قراءة الإمام وإنما يقرأ الفاتحة فقط على القول بوجوبها وذلك لأن الأصل أنه مأمور بالإنصات للإمام فهو أولى من الإتيان بالاستفتاح الذي هو مستحب، وهذا هو ترجيح العلامة العثيمين رحمه الله، ولعل هذا القول هو الراجح إن شاء الله.
قال الشيخ العثيمين في الشرح الممتع: المأموم يقرأ الاستفتاحَ، ويقرأُ التعوُّذَ فيما يجهرُ فيه الإمامُ، وظاهرُ كلامِهِ رحمه الله: أنه يفعلُ ذلك، وإنْ كان يسمعُ قِراءةَ الإمامِ، وهذا اختيارُ بعضِ أهلِ العِلْم. قالوا: لأنَّ النَّبيَّ صلّى الله عليه وسلّم إنما نَهَى عن القِراءةِ فيما يجهرُ فيه الإمامُ بالقرآنِ. والاستفتاحُ والتعوذُ ليس بقراءةٍ. ولكن هذا القولُ فيه نَظَرٌ ظاهرٌ، لأنَّ الرسولَ صلّى الله عليه وسلّم قال: إذا قرأَ فأنِصتُوا وهذا عامٌّ، ولأنَّه إذا أُمِرَ بالإِنصاتِ لقراءةِ الإِمامِ حتى عن قراءة القرآن، فالذِّكْرُ الذي ليس بقرآن مِن بابِ أَولى، لأننا نعلمُ أنَّ الشارعَ إنما نَهَى عن القراءةِ في حالِ قراءةِ الإمامِ مِن أجلِ الإِنصاتِ، كما قال الله تعالى: وَإِذَا قُرِىءَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا. {الأعراف: 204}.
فالصَّوابُ في هذه المسألةِ: أنَّه لا يستفتحُ ولا يستعيذُ فيما يجهرُ فيه الإمامُ، ولهذا قال في الرَّوضِ وغيرِه: ما لم يسمعْ قِراءةَ إمامِهِ فإذا سَمِعَ قراءةَ إمامِهِ؛ فإنَّه يسكتُ لا يستفتحُ ولا يَستعيذُ. وعلى هذا، فإذا دخلتَ مع إمامٍ وقد انتهى مِن قراءةِ الفاتحةِ، وهو يقرأُ السُّورةَ التي بعدَ الفاتحةِ، فإنَّه يسقطُ عنك الاستفتاحُ، وتقرأُ الفاتحةَ على القولِ الرَّاجحِ وتتعوَّذُ؛ لأنَّ التعوّذَ تابعٌ للقِراءةِ. انتهى.
وأما إذا سلم الإمام وأراد المأموم أن يشتغل بشيء من الدعاء ففي هذه المسألة تفصيل أوضحناه مستوفى في الفتوى رقم: 128556.
والله أعلم.