السؤال
في المسجد الذي نصلي فيه يوجد إمامان، الإمام الأول يصلي ثمان ركعات ثم يصلي الوتر بثلاث ركعات، وبعد الانتهاء يتقدم الآخر ويتم الصلاة لمن يريد الإكمال. فما موقفي أنا في هذه الحالة؟ هل أصلي الوتر مع الإمام الأول إذا اردت الانصراف بعد الإحدى عشرة ركعة، وإذا أردت أن أتم مع الإمام الآخر لكن لا أريد أن أبقى لآخر الصلاة كاملة، فأردت أن أصلي ركعتين أو أربع فهل أوتر مع الإمام الأول وأكمل مع الثاني، ثم أوتر لوحدي، والحالة الأخيرة -آسف على الإطالة- إذا أردت أن أكمل إلى آخر الصلاة مع الإمام الثاني هل لي عدم صلاة الوتر مع الإمام الأول وأجلس أنتظر الإمام الثاني وأصلي معه وأتر معه؟ أم الأفضل أن أشفع الوتر مع الإمام الأول، وهل بهذا الفعل أخذت أجر من قام مع الإمام حتى ينصرف أم لا، وإذا كان هناك قواعد عامة تضبط المسائل المشابهة أرجو أن تتكرموا بإعطائي إياها؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فقد رجح الشيخ العثيمين رحمه الله أن المسجد إذا كان فيه إمامان فلا يحصل فضل القيام مع الإمام حتى ينصرف إلا بالقيام مع كليهما، قال رحمه الله: ولكن هل الإمامان في مسجد واحد يعتبر كل واحد منهم مستقلاً، أو أن كل واحد منهما نائب عن الثاني؟ الذي يظهر الاحتمال الثاني -أن كل واحد منهما نائب عن الثاني مكمل له- وعلى هذا، فإن كان المسجد يصلي فيه إمامان، فإن هذين الإمامين يعتبران بمنزلة إمام واحد، فيبقى الإنسان حتى ينصرف الإمام الثاني، لأننا نعلم أن الثانية مكملة لصلاة الأول. انتهى.
وعلى هذا؛ فإن أردت أن تحصل لك فضيلة القيام مع الإمام حتى ينصرف فابق حتى ينصرف الإمام الثاني، ثم إن أوترت مع الإمام الأول فصل مع الإمام الثاني ولا توتر مرة أخرى لنهي النبي صلى الله عليه وسلم عن وترين في ليلة، وإن شئت أن تجمع بين الفضيلتين فاشفع وتر الإمام الأول وابق مع الإمام الثاني حتى ينصرف ثم أوتر لنفسك.
وهذا كلام مفصل للشيخ العثيمين رحمه الله في هذه المسألة ننقله للفائدة. قال رحمه الله: إذا صلى الإنسان مع الإمام الأول وأوتر، فإذا كان من نيته أن يصلي مع الإمام الثاني فإنه يشفع الوتر، أي إذا سلم الإمام قام فأتى بركعة، فإذا أتى بركعة صارت صلاته شفعاً، وصار الوتر في آخر الليل. ولكن قد يقول لنا قائل: ما دليلكم على أنه يجوز للإنسان أن يزيد على إمامه ركعة؟ فالجواب على ذلك: أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يصلي بأصحابه في غزوة الفتح يصلي ركعتين ويقول لأهل مكة: أتموا فإنا قوم سفر. أي مسافرون، فأهل مكة زادوا على صلاة النبي صلى الله عليه وسلم ركعتين. فهذا الذي يريد أن يشفع وتره، ويكون زاد ركعة لغرض، وهو شفع صلاته.
ولكن نقول: إذا صلى مع الإمام الأول حتى انصرف وأوتر معه، فهل يحسب له قيام ليلة؟ هذا محل نظر: فقد يقول قائل: إن اتحاد المكان يقتضي اتحاد الإمام؛ لأن المصلى واحد فالإمام الثاني كأنه نائب عن الإمام الأول.... وقد يقول آخر: إن انفراد الأول بصلاة كاملة فيها وترها يقتضي أنها صلاة مستقلة عن الثاني، وتكون الصلاة الثانية قياماً جديداً. فبناء على الاحتمال الأول يكون الإنسان الذي يريد أن يبقى مع الإمام حتى ينصرف، لا ينصرف إلا بعد القيام الثاني... وعلى الاحتمال الثاني نقول: من انصرف مع الإمام الأول وأوتر معه، فقد حصل له قيام الليلة. وحيث كان هذان الاحتمالان واقعين فإن الأفضل فيما أرى أن يصلي الإنسان مع الأول فإذا سلم الإمام من وتره، أتى بركعة يشفعه، ثم قام مع الإمام الثاني، وانصرف معه إذا أوتر. انتهى.
وإذا علمت ما مر، فمن انصرف بعد صلاة الإمام الأول فلا حرج عليه، ومن بقي فصلى بعضا من الصلاة مع الإمام الثاني فلا حرج عليه، ولكن تمام هذه الفضيلة الموعود بها في الحديث لا يحصل على ما رجحه الشيخ العثيمين إلا بالقيام مع الإمامين حتى تنتهي صلاتهما.
والله أعلم.