السؤال
سؤالي لفضيلتكم هو: هل ورد في الإسلام تحديد لكيفية حلاقة الرأس. فما أعرفه هو أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن القزع أي حلاقة بعض الشعر وترك الباقي وما أراه في معظم الإخوة المنتسبين للمذهب السلفي يحلقون كل الرأس. فهل هناك نص صحيح صريح يحدد كيفية حلاقة الشعر؟ وهل حلاقة الشعر على الهيئة التي عليها هؤلاء الإخوة من السنة ؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فأما حلق الرأس فمنه ما هو سنة باتفاق ومنه ما هو مباح باتفاق ومنه ما هو مختلف فيه، وقد فصل شيخ الإسلام رحمه الله هذه المسألة فقال ما ملخصه: حلق الرأس على أربعة أنواع: أحدها : حلقه في الحج والعمرة فهذا مما أمر اللّه به ورسوله، وهو مشروع ثابت بالكتاب والسنة وإجماع الأمة، قال تعالى : {لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاء اللَّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُوسَكُمْ وَمُقَصِّرِينَ لَا تَخَافُونَ}. [ الفتح : 27 ] ، وقد تواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم : أنه حلق رأسه في حجه وفي عمره، وكذلك أصحابه منهم من حلق ومنهم من قصر . والحلق أفضل من التقصير؛ والنوع الثاني : حلق الرأس للحاجة، مثل أن يحلقه للتداوي، فهذا أيضاً جائز بالكتاب والسنة والإجماع، فإن اللّه رخص للمحرم الذي لا يجوز له حلق رأسه أن يحلقه إذا كان به أذى. النوع الثالث : حلقه على وجه التعبد والتدين والزهد، من غير حج ولا عمرة، مثل ما يأمر بعض الناس التائب إذا تاب بحلق رأسه، ومثل أن يجعل حلق الرأس شعار أهل النسك والدين، أو من تمام الزهد والعبادة، أو يجعل من يحلق رأسه أفضل ممن لم يحلقه أو أدين أو أزهد، أو أن يقصر من شعر التائب، كما يفعل بعض المنتسبين إلى المشيخة إذا تَوَّب أحداً أن يقص بعض شعره، ويعين الشيخ صاحب مقص وسجادة؛ فيجعل صلاته على السجادة، وقصه رؤوس الناس من تمام المشيخة التي يصلح بها أن يكون قدوة يتوِّب التائبين، فهذا بدعة لم يأمر اللّه بها ولا رسوله، وليست واجبة ولا مستحبة عند أحد من أئمة الدين، ولا فعلها أحد من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، ولا شيوخ المسلمين المشهورين بالزهد والعبادة، لا من الصحابة ولا من التابعين ولا تابعيهم ومن بعدهم. والنوع الرابع : أن يحلق رأسه في غير النسك لغير حاجة، ولا على وجه التقرب والتدين، فهذا فيه قولان للعلماء هما روايتان عن أحمد :
أحدهما : أنه مكروه، وهو مذهب مالك وغيره .
والثاني : أنه مباح، وهو المعروف عند أصحاب أبي حنيفة والشافعي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأي غلاماً قد حلق بعض رأسه فقال : " احلقوه كله أو دعوه كله " ، وأتي بأولاد صغار بعد ثلاث فحلق رؤوسهم . ولأنه نهي عن القزع، والقزع : حلق البعض، فدل على جواز حلق الجميع . والأولون يقولون : حلق الرأس شعار أهل البدع، فإن الخوارج كانوا يحلقون رؤوسهم، وبعض الخوارج يعدون حلق الرأس من تمام التوبة والنسك . وقد ثبت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم لما كان يقسم جاءه رجل عام الفتح كث اللحية محلوق. انتهى.
وبه تعلم أن ما يفعله هؤلاء المذكورون مباح عند الجمهور إن كان على غير وجه القربة، ثم إن من حلق رأسه لا ينبغي أن يحلق بعضا ويدع بعضا لما مر بك من الأحاديث، وليس للحلق كيفية معينة بل كيف حلق رأسه جاز ذلك، والمستحب أن يبدأ في حلق الرأس بشقه الأيمن ثم الأيسر.
لما رواه مسلم في صحيحه عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أتى منى فأتى الْجَمْرَةَ فَرَمَاهَا ثُمَّ أَتَى مَنْزِلَهُ بِمِنًى وَنَحَرَ ثُمَّ قَالَ لِلْحَلاَّقِ « خُذْ ». وَأَشَارَ إِلَى جَانِبِهِ الأَيْمَنِ ثُمَّ الأَيْسَرِ ثُمَّ جَعَلَ يُعْطِيهِ النَّاسَ.
والله أعلم.