السؤال
هل تدخل الذئاب والثعالب والأسود وما شابه ذلك من هذه الحيوانات في دائرة الكلاب المنهي عن اتخاذها وتربيتها في البيوت، فقد أشكل هذا الأمر علي عندما تذكرت دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم على عتبة ابن أبي لهب عليهما لعنة الله حين دعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (اللهم سلط عليه كلباً من كلابك) فافترسه الأسد، فما توجيهكم لهذه المسألة؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالأصل في اقتناء الحيوانات وتربيتها الجواز إلا ما خصه الدليل منها لنجاسته كالخنزير مثلاً، وكالكلب غير المأذون فيه، وكالحيوان المفترس العادي، ففي نهاية المحتاج لشهاب الدين الرملي الشافعي: ويمتنع اقتناء الخنزير مطلقاً، ويحل اقتناء فهد وفيل وغيرهما مما فيه نفع ولو متوقعاً. انتهى.
وعليه، فلا حرج في اقتناء وتربية الثعالب بشرط القيام بحقوقها إذا دعت إلى تربيتها حاجة، ولأن الثعالب ليست من جنس الكلاب، ولأن أكل الثعالب مباح عند بعض أهل العلم، كما قال النووي في المنهاج: وحيوان البر يحل منه الأنعام والخيل، وبقر وحش وحماره، وظبي وضبع وضب وأرنب وثعلب... انتهى.
وأما إن كانت تربيتها ليست لأية حاجة معتبرة شرعاً، فالأفضل للمسلم أن لا يضيع وقته وماله في غير ما فائدة، ولأن الرملي قيد الجواز السابق بما فيه نفع، وفي الحديث الصحيح: لا تزول قدماً عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيم أفناه، وعن علمه فيم فعل، وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه، وعن جسمه فيم أبلاه. أخرجه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
وأما الأسود فهي داخلة في مسمى الكلاب كما يفيده حديث: اللهم سلط عليه كلباً.. وكذا حديث الكلب العقور حيث فسره جمع من أهل العلم بالأسد، وأما عن تربيتها فإن تؤكد من عدم اعتدائها وضررها وأمكن تعليمها الاصطياد أو الحراسة، وتؤكد من كونها تصيد لمالكها لا لنفسها فإن الظاهر جواز اقتنائها وتربيتها...
وأما إن كانت تعدو وتفترس فيمنع اتخاذها، بل تقتل كما يقتل الكلب العقور، فقد روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: خمس فواسق يقتلن في الحل والحرم: الحية والغراب الأبقع والفأرة والكلب العقور والحديا. انتهى..
قال ابن حجر في الفتح: روى سعيد بن منصور بإسناد حسن عن أبي هريرة قال: الكلب العقور الأسد... وقال مالك في الموطأ: كل ما عقر الناس وعدا عليهم وأخافهم مثل الأسد والنمر والفهد والذئب هو العقور، وكذا نقل أبو عبيد عن سفيان وهو قول الجمهور، وقال أبو حنيفة: المراد بالكلب هنا الكلب خاصة، ولا يلتحق به في هذا الحكم سوى الذئب، واحتج أبو عبيد للجمهور بقوله صلى الله عليه وسلم: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك فقتله الأسد. وهو حديث حسن أخرجه الحاكم. انتهى.
وقال ابن بطال في شرح صحيح البخاري: أجمع العلماء على القول به، فقال بظاهره مالك والثوري والشافعي وأحمد وإسحاق، قالوا: ولم يعن بالكلب العقور الكلاب الإنسية، وإنما عنى بذلك كل سبع يعقر كذلك فسره مالك وابن عيينة وأهل اللغة، وقال الخليل: كل سبع عقور كلب. وذكر ابن عيينة أن زيد بن أسلم فسره له كذلك، وكلهم لا يرى ما ليس من السباع في طبعه العقر والعداء في الأغلب من معنى الكلب العقور في شيء، ولا يجوز عندهم للمحرم قتل الهر الوحشي ولا الثعلب ولا الضبع، وقال أبو حنيفة وأصحابه: لا يقتل المحرم من السباع إلا الخمس المذكورة في الحديث فقط، والكلب العقور عنده الكلب المعروف. وليس الأسد في شيء منه... قال ابن القصار: والحجة على أبي حنيفة أن الكلب العقور اسم لكل ما يتكلب من أسد أو نمر أو فهد، فيجب أن يكون جميع ما يتناوله هذا الاسم داخلاً تحت ما أبيح للمحرم قتله. وقد روى زيد بن أسلم عن عبد ربه، عن أبي هريرة قال: الكلب العقور: الأسد. وقال صلى الله عليه وسلم في عتبة بن أبي لهب: اللهم سلط عليه كلباً من كلابك. فعدا عليه الأسد فقتله. فإذا أباح عليه السلام قتل الكلب العقور لخوف عقره وضرره، فالسبع الذي يفترس ويقتل أعظم وأولى.. لأنه لا يجوز أن يمنع من قتله مع إباحة قتل ما هو دونه، ولما قال عليه السلام: خمس فواسق يقتلن. فسماهن فواسق لفسقهن وخروجهن لما عليه سائر الحيوان. لما فيهن من الضرر. فأباح قتلهن لهذه العلة، كان الضرر الذي في الأسد والنمر والفهد أعظم. فهو بالفسق وإباحة القتل أولى، لأنه إذا نص على شيء لضرره، فإنما نبه بذلك على أن الجنس الذي هو أكثر ضرراً أولى بذلك. انتهى.
ويرى بعض الفقهاء أن الأسد يصعب التحقق من كونه لا يصطاد لنفسه لأنه في العادة لا يأكل فريسته بسرعة، قال البابرتي الحنفي في شرح الهداية: يجوز الاصطياد بالكلب المعلم والفهد المعلم والبازي المعلم وسائر الجوارح المعلمة، وهذا بعمومه يتناول الأسد والذئب والدب والخنزير، لكن الخنزير لكونه نجس العين لا يجوز الانتفاع به، وكان ذلك معلوماً لكل أحد فلم يستثنه، والباقية إن أمكن تعليمها جاز الاصطياد بها، لكنهم قالوا: لا يمكن تعليم الأسد والدب لأن من عادتهما أنهما إذا أمسكا صيداً لا يأكلانه في الحال، والتعلم إنما يتحقق بترك الأكل فلا يعلم أنه ترك عادة أو تعلما، ولأن التعليم لأن يمسك للغير، والأسد لعلو همته لا يفعل ذلك والدب لخساسته، ولهذا استثناهما أبو يوسف رحمه الله... انتهى.
والله أعلم.