الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يوجد في القرآن تصوير للمعاني وإن لم يكن ثَمَّ سؤال

السؤال

قال بعض المفسرين: إن القرآن يصور المعاني ويبين الأحكام بطريقة السؤال والجواب وإن لم يكن هناك سؤال في الواقع، فهل هذا القول صحيح؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فأسلوب القرآن في استعمال أدوات الاستفهام متعدد ومتنوع بحسب الغرض البلاغي والبياني من الخطاب. وللاستفهام في القرآن أغراض كثيرة، منها: التشويق والتقرير والتمني والاستبطاء والتهويل والتعظيم والتوبيخ والتقريع والتعجب والنفي ـ وقد اهتم ببيان ذلك جماعة من المؤلفين، منهم الأستاذ: عبد الكريم محمود يوسف في كتابه: أسلوب الاستفهام في القرآن الكريم. والأستاذ الدكتور البحاث: محمد عضيمة، في كتابه: دراسات لأسلوب القرآن.

وأما بخصوص السؤال عن تصوير القرآن للمعاني وبيانه للأحكام بطريقة السؤال والجواب، وإن لم يكن ثَمَّ سؤال في الواقع: فهذا لا نعلم له مثالا في القرآن الكريم، بل الذي نعلمه من الأمثلة يكون السؤال عنه قد حصل بالفعل، ثم يتولى القرآن جوابه، كقوله تعالى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ. { البقرة: 189}. وقوله: يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ. { البقرة: 215}. وقوله: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ. {البقرة: 217}. وقوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ. { الإسراء: 85}. وقوله: وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ.{طه: 105}.

وأما إن كان مراد السائل بطريقة السؤال والجواب ما هو أشمل من المعنى اللغوي والاصطلاحي للاستفهام بحيث يدخل فيه المحاورة والقصة وضرب المثل، فهذا قد قال به بعض أهل العلم، كما في قوله تعالى: أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ. { البقرة: 243}. فقد نقل ابن كثير عن عطاء قال: هذا مثل. اهـ.

يعني بذلك ـ كما قال ابن عاشور في التحرير والتنويرـ أنها ليست قصة واقعة. قال ابن عاشور: هذا بعيد يبعده التعبير عنهم بالموصول، وقوله: فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ. اهـ.

وكذلك قوله تعالى: وَلا تَكُونُوا كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ أَنْكَاثاً.{ النحل: 92 }. قال ابن كثير: قال مجاهد وقتادة وابن زيد: هذا مثل لمن نقض عهده بعد توكيده، وهذا القول أرجح وأظهر سواء كان بمكة امرأة تنقض غزلها أم لا. اهـ.

وكذلك قوله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلًا رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ وَحَفَفْنَاهُمَا بِنَخْلٍ وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمَا زَرْعًا. {الكهف: 32}. قال ابن عطية في المحرر الوجيز: ظاهر هذا المثل أنه بأمر وقع وكان موجودا، وعلى ذلك فسره أكثر أهل هذا التأويل، ويحتمل أن يكون مضروبا بمن هذه صفته وإن لم يقع ذلك في وجود قط، والأول أظهر. اهـ.

وقال الشيخ ابن عثيمين في لقاءات الباب المفتوح: الإنسان إذا ضرب مثلاً بقصة، مثل أن يقول: أضرب لكم مثلاً برجل قال كذا، أو فعل كذا وحصلت ونتيجته كذا وكذا، فهذه لا بأس بها، حتى إن بعض أهل العلم قال في قول الله تعالى: وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنَا لِأَحَدِهِمَا جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنَابٍ. { الكهف:32 }. قال: هذه ليست حقيقة واقعة، وفي القرآن: ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلاً فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ وَرَجُلاً سَلَماً لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلاً الْحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ. { الزمر: 29}. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني