الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فيجب أولا قبل النظر في الوصية وقبل قسمة التركة بين الورثة أن يقوموا بسداد الدين الذي في ذمة الميت لأن الدين مقدم على الوصية وعلى حق الورثة في المال كما بيناه في الفتوى رقم: 6159.
وأما الوصية المذكورة فيتعلق بها أمران :
أولهما: أن مجرد كتابة الوصية من غير إشهاد عليها لا تثبت بها الوصية عند كثير من الفقهاء.
قال ابن قدامة في المغني: وَرُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ الْخَطُّ فِي الْوَصِيَّةِ ، وَلَا يُشْهِدُ عَلَى الْوَصِيَّةِ الْمَخْتُومَةِ حَتَّى يَسْمَعَهَا الشُّهُودُ مِنْهُ ، أَوْ تُقْرَأَ عَلَيْهِ ، فَيُقِرَّ بِمَا فِيهَا .
وَبِهَذَا قَالَ الْحَسَنُ ، وَأَبُو قِلَابَةَ ، وَالشَّافِعِيُّ ، وَأَبُو ثَوْرٍ ، وَأَصْحَابُ الرَّأْيِ ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لَا يَجُوزُ بِرُؤْيَةِ خَطِّ الشَّاهِدِ بِالشَّهَادَةِ بِالْإِجْمَاعِ ، فَكَذَا هَاهُنَا.
فإذا كان الرجل كتب تلك الوصية ولم يشهد عليها لم تصح وإن أشهد عليها صحت, وإذا صحت عمل بها ولا عبرة بكونه كان ينوي تغييرها إذا لم يصدر عنه ما يدل على ذلك من قول أو فعل .
ثانيا : الذي فهمناه أنه أوصى بالثلث صدقة جارية وأوصى أيضا بأن تمضي الصدقات التي كان يخرجها في حياته على أقاربه, وهذه وصية بما زاد على الثلث فلا تمضي إلا برضا الورثة , ويشترط لصحة رضا الوارث أن يكون بالغا رشيدأ فلا يصح رضا الصغير والسفيه, وإذا لم يرض الورثة بإخراج كل الوصية فإنه لا يخرج إلا الثلث, ويقع تحاصص في الثلث بين ما أوصى به في الصدقة الجارية وبين الوصية بالصدقات على أقاربه, فينظر في قيمة الموصى به كله ( الصدقة الجارية والصدقة على أقاربه ) ويستخرج نسبة كل منهما من تلك القيمة فيعطى ما يقابله من الثلث, والباقي يقسم بين الورثة.
وإذا كان الذي فهمناه هنا صحيحا فإن الثلث يقسم نصفين بين الجهتين الموصى لهما، لأن الموصي أوصى بثلث ماله صدقه جارية وأوصى بشيء آخر دائم، وما كان دائما فإنه يقدر بالثلث فكأن الموصي أوصى بثلثي ماله ثلث للصرف الدائم على القرابة وثلث يجعل في صدقة جارية.
وإذا لم يترك الميت من الورثة إلا من ذكر فإن لزوجته الثمن فرضا لوجود الفرع الوارث. قال الله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ. { النساء : 12 }.
والباقي للأبناء والبنات تعصيبا للذكر مثل حظ الأنثيين لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ. { النساء : 11 }.
فتقسم التركة على ثمانين سهما , للزوجة ثمنها , عشرة أسهم , ولكل ابن أربعة عشر سهما , ولكل بنت سبعة أسهم , وكون الميت كان ينوي تغيير الوصية هذا لا يغير من الأمر شيئا كما تقدم فتمضي الوصية ما لم يثبت أنه نقضها بوصية أخرى , ولا يجوز للورثة أن يمنعوا نفاذ الوصية وسداد الدين بحجة أنهم لا يريدون بيع العقار.
ثم إننا ننبه السائل إلى أن أمر التركات أمر خطير جدا وشائك للغاية، وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقا لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وارث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا أو ديون أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي إذاً قسم التركة دون مراجعة للمحاكم الشرعية إذا كانت موجودة، تحقيقا لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.