الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فإذا كان الورثة محصورين فيمن ذكر ـ ولم يترك الميت وارثا غيرهم ـ فإن تركته لابنه وبناته الثلاث ـ تعصيبا ـ للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ {النساء: 11}.
ولا شيء لابن الابن ولا لبنت الابن ولا لأبناء الأخ الشقيق، لأنهم جميعا محجوبون حجب حرمان بالابن, فتقسم التركة على خمسة أسهم, للابن سهمان, ولكل بنت سهم واحد.
وأما ما ذكره السائل من الشقق والإيجارات فالحكم فيه أن كل شقة من الشقق ملك لكل الورثة, فكل وارث منكم له نصيب في كل شقة بعينها, فأنت لك سهمان في كل شقة حتى الشقق التي تؤجرها بعض أخواتك والشقق التي تسكنها أخرى، وكل أخت من أخواتك لها سهم في كل شقة بعينها ولو لم تسكنها وتأخذ إيجارها وبهذا تعلم أنه لا يصح أن يعطى بعض الورثة شقة كاملة له، أو يأخذ الإيجار كاملا له، أو يأخذ بعضهم على الإيجار القديم والآخر على الإيجار الجديد، لأنه قد يأخذ أكثر من حقه، أو أقل إلا إذا تراضيتم بينكم على تلك القسمة, وانظر الفتوى رقم: 66593في كيفية قسمة الشقق بينكم.
وأما وصية والدكم بريع المحل صدقة جارية وكفالة لليتيم: فإن كنت تعني بقولك: كتب به والدي وصية ـ أنه أوقف رقبته فهذا وقف صحيح ينفذ في حدود الثلث ويصرف ريعه فيما حدده والدكم, جاء في الموسوعة الفقهية: فَإِنْ كَانَ مَا وَقَفَهُ لَا يَزِيدُ عَلَى ثُلُثِ التَّرِكَةِ صَارَ الْوَقْفُ لَازِمًا، وَيُعْتَبَرُ فِي حُكْمِ الْوَصِيَّةِ فِي اعْتِبَارِهِ مِنْ ثُلُثِ الْمَالِ، وَإِذَا خَرَجَ مِنَ الثُّلُثِ جَازَ مِنْ غَيْرِ رِضَا الْوَرَثَةِ، وَإِذَا كَانَ الْمَوْقُوفُ أَكْثَرَ مِنْ ثُلُثِ مَالِ الْوَاقِفِ تَوَقَّفَ لُزُومُهُ عَلَى إِجَازَةِ الْوَرَثَةِ، فَإِنْ أَجَازُوهُ نَفَذَ الْوَقْفُ، وَإِنْ لَمْ يُجِزْهُ الْوَرَثَةُ نَفَذَ فِي الثُّلُثِ فَقَطْ، وَبَطَلَ فِيمَا زَادَ عَلَى الثُّلُثِ، لِأَنَّ حَقَّ الْوَرَثَةِ تَعَلَّقَ بِالْمَالِ بِوُجُودِ الْمَرَضِ فَمَنَعَ التَّبَرُّعَ بِزِيَادَةٍ عَلَى الثُّلُثِ، وَهَذَا مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْحَنَفِيَّةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالشَّافِعِيَّةُ وَالْحَنَابِلَةُ. اهـ.
وإن كنت تعني أنه أوصى بغلة المحل فقط ولم يوص بالمحل نفسه فهذه تعتبر وصية بمنفعة ويتعلق بها عدة أمور:
أولها: أنها وصية صحيحة في قول جمهور أهل العلم, جاء في الموسوعة الفقهية: ذَهَبَ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ إِلَى جَوَازِ الْوَصِيَّةِ بِالْمَنَافِعِ، لأَِنَّهَا كَالأَْعْيَانِ فِي تَمَلُّكِهَا بِعِقْدِ الْمُعَاوَضَةُ وَالإِْرْثِ، فَصَحَّتِ الْوَصِيَّةُ بِهَا كَالأَْعْيَانِ. اهـ.
ثانيا: أنها تصح في حدود ثلث التركة, وما زاد على الثلث لم يمض إلا برضا الورثة, جاء في الموسوعة الفقهية: وَتُخْرَجُ قِيمَةُ الْمَنَافِعِ مِنْ ثُلُثِ الْمَال، فَإِنْ لَمْ تُخْرَجْ مِنَ الثُّلُثِ، أُجِيزَ مِنْهَا بِقَدْرِ الثُّلُثِ. اهـ.
ثالثا: وتقدير كونها تساوي الثلث، أو أقل، أو أكثر يكون بتقدير عين المنفعة ـ المحل التجاري الموصى بغلته جاء في الموسوعة الفقهية: وَالْمَنْفَعَةُ الْمُوصَى بِهَا، سَوَاءٌ أَكَانَتْ مُطْلَقَةً أَمْ مُقَيَّدَةً فَإِنَّهُ يُعْتَبَرُ فِيهَا خُرُوجُ الْعَيْنِ الَّتِي أَوْصَى بِمَنْفَعَتِهَا مِنْ ثُلُثِ الْمَال، فَإِنْ خَرَجَتْ مِنَ الثُّلُثِ جَازَتِ الْوَصِيَّةُ فِي جَمِيعِ الْمَنَافِعِ. اهـ.
والذي يظهر لنا من السؤال أن المحل لا يزيد على ثلث التركة فتصح الوصية بمنافعه كلها, وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اَللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ عِنْدَ وَفَاتِكُمْ زِيَادَةً فِي حَسَنَاتِكُمْ. رَوَاهُ اَلدَّارَقُطْنِيُّ وَأَخْرَجَهُ أَحْمَدُ, وَالْبَزَّارُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي اَلدَّرْدَاءِ وَابْنُ مَاجَهْ: مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ.
وراجع للفائدة فتوانا رقم: 103971فيما سميته بالإيجار القديم.
والله أعلم.