السؤال
ذكر في سورة لقمان عذاب أليم للذين يسمعون الغناء باللهو عن طاعة الله والاستمرار في سماعها يعني هذا عقاب من يفعل كذا من يلهو عن طاعة الله بسماعها والذي نادرا ما يسمعها ولا يستمر بسماعها ولا يلهو عن طاعة الله بسماعها، هل يحصل له العذاب؟ أريد إجابة بنعم أو لا، ولن أقبل إجابة إلي بكذا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فينبغي أن يتعرف في البداية على بعض ما ذكر المفسرون في الآية، فقد فسروها بالغناء وبشراء الجواري المغنيات وبالاشتغال بالأحاديث الباطلة عن الوحي وباستبدال الحق بالباطل، فقد جاء في الصحيح المسبور من التفسير: أخرج عبد الرزاق بسنده الصحيح عن قتادة قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ليضل عن سبيل الله بغير علم ـ والله لعله أن لا ينفق فيه ماله، ولكن اشتراؤه استحبابه، بحسب المرء من الضلالة أن يختار حديث الباطل على حديث الحق، وما يضر على ما ينفع، وأخرج الطبري بأسانيد يقوى بعضها بعضا، عن جابر وغيره، في قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ـ قال: هو الغناء والاستماع له، وذكره ابن كثير عن ابن مسعود وابن عباس وعكرمة وسعيد بن جبير ومجاهد ومكحول، وأخرج الطبري بسنده الصحيح عن مجاهد في قوله: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ـ قال: اشتراء المغني والمغنية بالمال الكثير، أو استماع إليهم، وإلى مثله من الباطل. اهـ.
وفي التسهيل لعلوم التنزيل لابن جزي: ومن الناس من يشتري لهو الحديث ـ هو الغناء، وفي الحديث أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: شراء المغنيات وبيعهن حرام، وقرأ هذه الآية ـ وقيل: نزلت في قرشي اشترى جارية مغنية تغني بهجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالشراء على هذا حقيقة، وقيل: نزلت في النضر بن الحارث، وكان قد تعلم أخبار فارس، فذلك هو لهو الحديث، وشراء لهو الحديث استحبابه وسماعه فالشراء على هذا مجاز، وقيل لهو الحديث: الطبل، وقيل: الشرك، ومعنى اللفظ يعم ذلك كله، وظاهر الآية أنه لهو مضاف إلى الكفر بالدين واستخفاف، لقوله تعالى: ليضل عن سبيل الله الآية .اهـ.
وأما سماع الغناء فيختلف أمره باختلاف حاله فسماع الرجل لإنشاد زميله والمرأة لزميلتها إن لم يكن فيه ما يثير الغرائز وأمنت الريبة مباح، وكذا سماع الرجل لغناء زوجته، أو جاريته المباحة له والعكس كذلك إن لم يشغل عن الفرائض ولم تصحبه المعازف والأحب أن يكون فيما يدعو للخير ومكارم الأخلاق وأن لا يدام عليه بل يكثر العبد من سماع القرآن والتلاوة له بتدبر.
وقد بينا تحريم سماع الغناء المصحوب بالمعازف مدعما بالدليل من السنة الثابتة وبكلام العلماء في الفتويين التاليتين: 66001 // 54316.
واعلم أن الحرمة والإثم بالنسبة للموسيقى والسماع المحرم تتناول من قصد الاستماع إليهما ولو حصل ذلك نادرا، وأما من سمع من غير قصد وحاول صرف ذهنه عن السماع مع كراهة ذلك في القلب فلا إثم عليه، إذ ليس له كسب في ذلك، والواجب النهي عن المنكر بقدر الاستطاعة لمن يستمعها.
فإن النبي صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكراً فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان. رواه مسلم.
ويدل لما ذكرنا ما رواه نافع ـ مولى ابن عمر ـ قال: سمع ابن عمر صوت زمارة راع فوضع إصبعيه في أذنيه وعدل راحلته عن الطريق وهو يقول: يا نافع أتسمع؟ فأقول: نعم، قال: فيمضي حتى قلت: لا، قال: فوضع يديه وأعاد الراحلة إلى الطريق وقال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وسمع صوت زمارة راع فصنع مثل هذا. رواه أحمد وأبو داود وابن ماجه، وصححه الألباني في تحريم آلات الطرب.
قال ابن رجب في نزهة الأسماع: إنما لم يأمر ابن عمر نافعا بسد أذنيه، لأنه لم يكن مستمعا، بل سامعا والسامع من غير استماع لا يوصف فعله بالتحريم، لأنه عن غير قصد منه، وإن كان الأولى له سد أذنيه حتى لا يسمع. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى: الأمر والنهي إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية، فإنه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشم، فأما إذا شم ما لم يقصده فإنه لا شيء عليه. وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس ـ من السمع والبصر والشم والذوق واللمس ـ إنما يتعلق الأمر والنهي من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل، وأما ما يحصل بغير اختياره، فلا أمر فيه ولا نهي، وهذا مما وجه به الحديث الذي في السنن عن ابن عمر ـ فذكر الحديث ـ وقال: فإن من الناس من يقول: بتقدير صحة هذا الحديث لم يأمر ابن عمر نافعا بسد أذنيه فيجاب بأنه كان صغيرا، أو يجاب بأنه لم يكن يستمع، وإنما كان يسمع وهذا لا إثم فيه، وإنما النبي صلى الله عليه وسلم فعل ذلك طلبا للأفضل والأكمل كمن اجتاز بطريق فسمع قوما يتكلمون بكلام محرم فسد أذنيه كيلا يسمعه فهذا حسن، ولو لم يسد أذنيه لم يأثم بذلك، اللهم إلا أن يكون في سماعه ضرر ديني لا يندفع إلا بالسد. اهـ. والله أعلم.