السؤال
هل المني طاهر أم نجس؟ لأني قرأت كلاما يفيد (أن الطب يؤكد اليوم أن المذي والمني مصدره غدة واحدة ) فالمني طاهر، وإذا كانا كلاهما يخرجان من نفس الغدة وبشهوة فما سبب الحكم بنجاسته ؟ وهل يخرج المذي عند ثوران الشهوة أم حتى عند التفكير العادي، فقد تعبت حتى في صلاتي، أحاول قطع التفكير لكن يغلبني إضافة إلى أنه يشبه لون الإفرازات فيصعب علي التفريق، وهو أيضا يخرج من الرحم مثل المني تماما، وإذا اتضح أنه طاهر فهل ينقض الوضوء؟ خاصة إذا قسناه على إفرازات الرحم التي حكم البعض بعدم نقضها.
أنا لا أريد أن أدعي شيئا، لكن المذي والمني والإفرازات تخرج من الرحم، فلماذا أحدهما نجس والآخر طاهر. وحديث علي رضي الله عنه أليس خاصا بالرجال؟ أرجوكم أجيبوني على إيميلي قريبا فإني والله مهمومة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فالحكم على الأعيان بالطهارة أو النجاسة مرده إلى أدلة الشرع المطهر، وقد اختلف العلماء في المني هل هو طاهر أو نجس، والراجح طهارته كما هو مذهب الشافعية والحنابلة.
وأما المذي فهو نجس بلا شك لأمر النبي صلى الله عليه وسلم بغسل الذكر منه، وقد حكي الإجماع على نجاسته.
وما ذكرته من كون المني والمذي يخرجان من غدة واحدة، قد استدل العلماء القائلون بنجاسة المني باستدلال قريب منه، فإنهم قالوا: إن المذي مبدأ المني، فكيف يحكم بنجاسته دونه؟ وقد ساق ابن القيم في بدائع الفوائد مناظرة بديعة بين القائل بنجاسة المني والقائل بطهارته وأورد فيها هذا الإيراد وأجاب عنه بما عبارته: قال مدعي النجاسة: المذي مبدأ المني وقد دل الشرع على نجاسته حيث أمر بغسل الذكر وما أصابه منه، وإذا كان مبدؤه نجسا فكيف بنهايته؟ ومعلوم أن المبدأ موجود في الحقيقة بالفعل. - قال المطهر: هذا دعوى لا دليل عليها، ومن أين لك أن المذي مبدأ المني، وهما حقيقتان مختلفتان في الماهية والصفات والعوارض والرائحة والطبيعة، فدعواك أن المذي مبدأ المني وأنه مني لم تستحكم طبخه دعوى مجردة عن دليل نقلي وعقلي وحسي، فلا تكون مقبولة، ثم لو سلمت لك لم يفدك شيئا البتة، فإن للمبادىء أحكاما تخالفها أحكام الثواني، فهذا الدم مبدأ اللبن وحكمهما مختلف، بل هذا المني نفسه مبدأ الآدمي طاهر العين، ومبدأه عندك نجس العين، فهذا من أظهر ما يفسد دليلك ويوضح تناقضك، وهذا مما لا حيلة في دفعه، فإن المني لو كان نجس العين لم يكن الآدمي طاهرا، لأن النجاسة عندك لا تطهر بالاستحالة، فلا بد من نقض أحد أصليك؛ فإما أن تقول بطهارة المني أو تقول النجاسة تطهر بالاستحالة، وإما أن تقول المني نجس والنجاسة لا تطهر بالاستحالة، ثم تقول بعد ذلك بطهارة الآدمي فتناقض ما لنا إلا النكير له. اهـ
فإذا علمت أن هذا المعنى وهو كون المني والمذي يخرجان من غدة واحدة غير مؤثر لأنهما ذاتان مختلفتان في جميع الصفات أو أكثرها، فاعلمي أن الواجب عليك إذا خرج منك المذي وتحققت من كونه مذيا أن تغسلي ما أصاب بدنك أو ثوبك منه ثم تتوضئين للصلاة. وإن شككت هل هذا الخارج مذي أو هو من الرطوبات العادية فالأصل عدم خروج المذي، ورطوبات الفرج ناقضة للوضوء عند الجماهير، وإن كانت طاهرة على الراجح. وانظري الفتوى رقم: 110928.
ومن ثم فيجب عليك أن تتوضئي من خروج هذه الرطوبات، ولا يجب عليك أن تغسلي بدنك وثوبك منها، ولا يجب عليك غسل بدنك وثوبك إذا شككت هل الخارج مذي أو لا؛ لأن الأصل عدم خروجه كما مر، وإن كان الغسل احتياطا أولى، وأما القول بطهارة المذي قياسا على هذه الرطوبات فلا يصح البتة لمخالفته الدليل والإجماع الذي حكاه غير واحد على نجاسة المذي.
وأما التفريق بين المذي الخارج من المرأة والمذي الخارج من الرجل فلا نعلم قائلا به من العلماء، وننبهك إلى أنك إن كنت مبتلاة بسلس المذي أو بسلس رطوبات الفرج فتوضئي لكل صلاة بعد دخول وقتها وصلي بهذا الوضوء الفرض وما شئت من النوافل حتى يخرج ذلك الوقت، أو تحدثي بغير ذلك الحدث الدائم. وانظري لبيان ضابط الإصابة بالسلس الفتوى رقم: 119395.
والله أعلم.