الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مات أبوهم وعليه مال لرجل استغل أرضا له فهل يُجعل الدين في مقابل الانتفاع بالأرض

السؤال

والدي رحمه الله كانت لديه قطعة أرض زراعية وكان يستغلها رجل لمدة سنوات طويلة دون مقابل محدد، ثم في يوم قرر أن يتبايعا فأخذ منه والدي مبلغا من المال كتسبيق دون أن يتكاتبا، وبعد مدة لم يتفاهما علي قيمة المبلغ المتبقي فتخاصما وبقي الأمر كذلك لمدة، ثم توفي والدي وبقي الرجل يستغل الأرض لمدة وبعدها مات هذا الرجل واسترجعنا الأرض فجاء ابنه يطلب مبلغ التسبيق الذي كان والدي أخذه من والده. السؤال: هل يعتبر هذا المال دينا وعلينا أن نرده، علما بأن والده كان استغل الأرض لسنوات دون أن يؤدي أجراً، وهل علينا وزر لأننا لم ندفع المال للرجل قبل وفاته علما بأننا علمنا بعد موته، وهل السداد لأولاده يوفي عن والدي دينه أم يبقى عليه ليوم الحساب؟ جزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:

فمسائل الخصومات وقضايا المنازعات لا بد من عرضها على المحاكم الشرعية، أو ما يقوم مقامها في البلاد التي لا توجد بها محاكم شرعية لتوقف الحكم فيها على حجج الخصوم وبينات الدعاوى، لكن نقول لك من حيث الإجمال:

أولاً: حكم البيع الذي جرى بين أبيكم وبين الرجل البطلان إن كانا لم يتفقا على الثمن عند العقد وهو المتبادر لاختلافهما فيما بعد فيما بقي من الثمن، ومن شروط البيع الصحيح أن يكون الثمن معلوماً محدداً وقت العقد. قال ابن حزم: ولا يصح البيع بغير ثمنٍ مسمى.

وأما على فرض حصول عقد البيع مع تمام أركانه وشروطه ومنها تسمية ثمن الأرض فالبيع صحيح ماض وحينئذ تكون الأرض لورثة الرجل ولكم المطالبة بما بقي من ثمنها.

ثانياً: عن حكم استغلال الرجل للأرض بعد موت مورثكم. على فرض بطلان البيع وانتقال ملكية الأرض إليكم وحينئذ إما أن تكونوا متبرعين له بذلك فلا حق لكم عليه وإلا فمن حقكم المطالبة بعوض عنه على القول بأن السكوت لا يعتبر إذناً.

جاء في مواهب الجليل: وإن قلنا ليس السكوت إذناً فله كراء الماضي قولاً واحداً.

وعلى فرض ثبوت حق عليه فلكم احتساب ذلك مما في ذمة أبيكم مما دفعه إليه .هذا فيما يتعلق باستغلال الأرض بعد موت أبيكم.

وأما استغلاله للأرض في حياة أبيكم على فرض بطلان البيع فإن كان بقي في ذمته شيء من أجرتها فلكم احتسابه مما بقي في ذمة أبيكم، وإلا فيلزمكم أداء ما أخذه مورثكم من ثمن الأرض على فرض بطلان البيع بعد أن تستوفوا حقكم منه إن كان لكم عليه حق وتسارعوا بسداد الباقي إلى ورثة الرجل لتبرأ ذمة مورثكم، لما روى أحمد في المسند عن جابر قال: توفي رجل فغسلناه وحنطناه وكفناه ثم أتينا به رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عليه، فقلناك تصلي عليه فخطا خطوة ثم قال: أعليه دين؟ قلنا: ديناران، فانصرف فتحملهما أبو قتادة فأتيناه فقال أبو قتادة: الديناران علي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أحق الغريم، وبرئ منهما الميت؟ قال: نعم، فصلى عليه ثم قال بعد ذلك بيوم ما فعل الديناران؟ فقال: إنما مات أمس، قال: فعاد إليه من الغد، فقال: قضيتهما، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الآن بردت عليه جلدته. صححه الأرناؤوط.

قال الشوكاني: فيه دليل على أن خلوص الميت من ورطة الدين وبراءة ذمته على الحقيقة ورفع العذاب عنه إنما يكون بالقضاء عنه. انتهى.

وخلاصة القول أنه لا بد من الرجوع في المسألة إلى المحكم الشرعية أو الهيئات الإسلامية في البلاد التي لا توجد بها محاكم شرعية أو مشافهة أهل العلم بها ليستفصلوا عما ينبغي الاستفصال عنه.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني