السؤال
اشترى والدي قطعة أرض للبناء عليها وترك لنا ـ نحن أولاده ـ حرية من يرغب في البناء عليها فقمت ببناء شقة للسكن فيها من مالي الخاص ولم يدفع والدي، أو أي أحد من إخوتي أي مبلغ في بنائها، وبعد وفاة والدي أنكر الورثة ملكيتي لهذه الشقة بزعم أن من بناها هو والدي ولست أنا، فهل هذه الشقة ملكي أم ملك لجميع الورثة؟ وكيف تتم القسمة علينا حيث ترك زوجة وولدين وبنتين؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعـد:
فما دمت تدعي أنك أنت الذي بنيت الشقة والورثة ينكرون ذلك فأنت مطالب بإقامة البينة عند القضاء على دعواك، إذ الأصل أن أي بناء في الأرض هو ملك لمالك الأرض, وقد قال النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي وَالْيَمِينُ عَلَى الْمُدَّعَى عَلَيْهِ. رواه الترمذي.
فإن لم تقم البينة حلف الورثة على أن أباهم هو الباني لها، ومن لم يكن منهم له علم بأن الأب هو الباني ولا بأنك أنت الباني حلف على نفي علمه بأنك بنيت الأرض، كما تقدم في الفتوى رقم: 129257
وتكون الشقة للورثة جميعا، وإن أقمت البينة على أنك الباني لها، أو لم تقمها ونكل الورثة عن اليمين وحلفت أنت فالشقة أيضا لا تكون لك بإطلاق، إذ المفتى به عندنا هو أن ما بناه الابن في أرض أبيه وفي حياته يعتبر عارية تنتهي بموت الأب وترد الأرض إلى التركة ويكون للابن قيمة ما بناه منقوضاً، وهذا مذهب المالكية، فقد نقل المواق في التاج والإكليل عن ابن مزين أنه قال: من قال لابنه: اعمل في هذا المكان جناناً، أو ابن فيه داراً ففعل الابن في حياة أبيه وصار الأب يقول: جنان ابني ـ فإن البقعة لا يملكها الابن بذلك وتورث عن الأب، وليس للابن إلا قيمة عمله منقوضاً. اهـ.
وقد فصلنا القول حول هذا في عدة فتاوى كالفتاوى التالية أرقامها: 32937 107908 106557 وعلى ما ذكرناه يكون للورثة مطالبتك بالأرض التي بنيت عليها شقتك ويدفعون لك ثمنها منقوضا لا قائما.
وإذا كان الورثة محصورين فيمن ذكر ـ ولم يترك الميت وارثا غيرهم ـ فإن لزوجته الثمن فرضا، لوجود الفرع الوارث, قال الله تعالى: فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ { النساء: 12}.
والباقي للابنين والبنتين ـ تعصيبا ـ للذكر مثل حظ الأنثيين، لقول الله تعالى: يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ { النساء: 11}.
فتقسم التركة على ثمانية وأربعين سهما: للزوجة ثمنها ـ ستة أسهم ـ ولكل ابن أربعة عشر سهما, ولكل بنت سبعة أسهم.
ثم إننا ننبه السائل الكريم إلى أن أمر التركات أمر خطير جداً وشائك للغاية وبالتالي، فلا يمكن الاكتفاء فيه ولا الاعتماد على مجرد فتوى أعدها صاحبها طبقاً لسؤال ورد عليه، بل لا بد من أن ترفع للمحاكم الشرعية كي تنظر فيها وتحقق، فقد يكون هناك وراث لا يطلع عليه إلا بعد البحث، وقد تكون هناك وصايا، أو ديون، أو حقوق أخرى لا علم للورثة بها، ومن المعروف أنها مقدمة على حق الورثة في المال، فلا ينبغي ـ إذاً ـ قسم التركة دون مراجعة المحاكم الشرعية ـ إذا كانت موجودة ـ تحقيقاً لمصالح الأحياء والأموات.
والله أعلم.