الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يشرع الخضاب بالسواد إن مرض فابيض شعره

السؤال

أنا شاب متزوج، أبلغ التاسعة والعشرين من عمري، أصبت بمرض جلدي قبل ست سنوات، وشفيت بإذن الله تعالى، لكن أثر المرض لم يزل، وبقي شعر لحيتي وأهداب عيني اليمنى وشعر حاجبي الأيمن فقط أبيض اللون، وزوجتي مصرة على صبغ ذلك باللون الأسود. فهل يجوز ذلك؟ خاصة شعر الحاجب علما أن شعر الجهة اليمنى لم يتغير وبقي أسود اللون، وأنا أبدو غريب المنظر، وأريد إفادتكم، وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد :
فنقول ابتداء من المعلوم أن الفقهاء اختلفوا في حكم الخضاب بالسواد؛ فمنهم من كرهه، ومنهم من حرمه، ومنهم من فصل في ذلك.
جاء في الموسوعة الفقهية : اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِي حُكْمِ الاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ : فَالْحَنَابِلَةُ وَالْمَالِكِيَّةُ وَالْحَنَفِيَّةُ - مَا عَدَا أَبَا يُوسُفَ - يَقُولُونَ : بِكَرَاهَةِ الاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ فِي غَيْرِ الْحَرْبِ .... وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ مُطْلَقًا ، وَمِنْهُمْ مَنْ رَخَّصَ فِيهِ لِلرِّجَال دُونَ النِّسَاءِ .... وَقَال الشَّافِعِيَّةُ بِتَحْرِيمِ الاِخْتِضَابِ بِالسَّوَادِ لِغَيْرِ الْمُجَاهِدِينَ ؛ لِقَوْل النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَكُونُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ يَخْضِبُونَ بِالسَّوَادِ ، لاَ يَرِيحُونَ رَائِحَةَ الْجَنَّةِ ، وَلِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي شَأْنِ أَبِي قُحَافَةَ : وَجَنِّبُوهُ السَّوَادَ ، فَالأْمْرُ عِنْدَهُمْ لِلتَّحْرِيمِ ، وَسَوَاءٌ فِيهِ عِنْدَهُمُ الرَّجُل وَالْمَرْأَةُ . اهـ مختصرا.
ومن العلماء من خص النهي عن الخضاب بالسواد في التدليس فقط، قال ابن القيم في الزاد :
الْجَوَابُ الثّانِي: أَنّ الْخِضَابَ بِالسّوَادِ الْمَنْهِيّ عَنْهُ خِضَابُ التّدْلِيسِ كَخِضَابِ شَعْرِ الْجَارِيَةِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ تَغُرّ الزّوْجَ وَالسّيّدَ بِذَلِكَ، وَخِضَابِ الشّيْخِ يَغُرّ الْمَرْأَةَ بِذَلِكَ؛ فَإِنّهُ مِنْ الْغِشّ وَالْخِدَاعِ، فَأَمّا إذَا لَمْ يَتَضَمّنْ تَدْلِيسًا وَلَا خِدَاعًا فَقَدْ صَحّ عَنْ الْحَسَن وَالْحُسَيْن رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمَا أَنّهُمَا كَانَا يَخْضِبَانِ بِالسّوَادِ ... اهـ .
فأنت ترى أخي السائل أن الفقهاء اختلفوا، والمفتى به عندنا هو التحريم. فإن أمكنك أن تصبغ بما ليس أسود خالصا، وتخرج من الشبهة، ويسلم لك دينك فهذا أفضل، فالسلامة في الدين لا يعدلها شيء، وإن تعذر ذلك وشق عليك أن تبقى على ما أنت عليه فنرجو أن تكون لك رخصة في الخضاب بالسواد دفعا للحرج والمشقة، وتقتصر في الخضاب على قدر الحاجة.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني