السؤال
أنا أعلم بأن الدعاء المرفوع إلى الله مستجاب في أي حال سواء في هذه الدنيا أو في الآخرة، ولكن ما حكم دعاء الإنسان على نفسه بالسوء أو بالموت؟ فأنا طلبت من ربي أكثر من مرة أن يأخذني إليه وكنت في حالة يأس شديدة، لكنني الآن أخاف أن يستجاب هذا الدعاء وهذا ليس لحبي للدنيا، ولكن لأنني أعلم بأنه ما زالت علي ذنوب كثيرة لم أستغفر الله منها وأخاف من عقابه عز وجل، فودي أن ينعم علي بطول العمر لأعمل من الحسنات ما أكفر عنه سيئاتي؟ فهل إذا دعوت الآن بطول العمر يستجاب لي؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم عن أن ندعو على أنفسنا وأولادنا، فقال صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم، ولا تدعوا على أولادكم، ولا تدعوا على خدمكم، ولا تدعوا على أموالكم، لا توافقوا من الله ساعة يسأل فيها عطاء فيستجاب لكم. رواه مسلم.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا تدعوا على أنفسكم إلا بخير، فإن الملائكة يؤمنون على ما تقولون. رواه مسلم.
ويتأكد النهي عن الدعاء على النفس إذا كان ذلك تسخطا وتضجرا من الحياة، لما فيه من عدم الرضا بما قدره الله، فقد قال صلى الله عليه وسلم: لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد فاعلا فليقل اللهم أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيراً لي. متفق عليه. وانظري الفتوى: 31194.
ومن أخطر ما يصاب به العبد هو اليأس من رحمة الله، فقد قال الله تعالى: ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون {يوسف:87}.
لذلك، فإن على السائلة الكريمة أن تستغفر الله تعالى وتتوب إليه وترجو رحمته، فإن التوبة تمحو ما قبلها، والتائب من الذنب كمن لا ذنب له مهما كانت الذنوب، فقد قال الله تعالى: قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم { الزمر:53}.
فإذا تبت إلى الله تعالى ودعوته فإنه يغفر ذنوبك ويجيب دعاءك، كما قال تعالى: وإني لغفار لمن تاب وآمن وعمل صالحا ثم اهتدى { طه:82}. وقال تعالى: وإذا سألك عبادي عني فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان {البقرة:186}.
وقد قال بعض أهل العلم: إن الدعاء على النفس من اللغو الذي لا اعتبار له ولا مؤاخذة به، جاء في تفسير البغوي وغيره: قال زيد بن أسلم: ومن اللغو دعاء الرجل على نفسه تقول لإنسان أعمى الله بصري إن لم أفعل كذا وكذا، أخرجني الله من مالي إن لم آتك غداً، ويقول: هو كافر إن فعل كذا، فهذا كله لغو لا يؤاخذه الله به ولو آخذهم به لعجل لهم العقوبة، كما قال تعالى: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم، قال ابن عباس: هذا في قول الرجل عند الغضب لأهله وولده: لعنكم الله، ولا بارك الله فيكم، قال قتادة: هو دعاء الرجل على نفسه وأهله وماله بما يكره أن يستجاب.
وقال ابن كثير: يخبر تعالى عن حلمه ولطفه بعباده أنه لا يستجيب لهم إذا دعوا على أنفسهم أو أموالهم أو أولادهم في حال ضجرهم وغضبهم، وأنه يعلم منهم عدم القصد بالشر إلى إرادة ذلك، فلهذا لا يستجيب لهم والحالة هذه لطفاً ورحمة كما يستجيب لهم إذا دعوا لأنفسهم أو لأموالهم أو لأولادهم بالخير والبركة والنماء، ولهذا قال: ولو يعجل الله للناس الشر استعجالهم بالخير لقضي إليهم أجلهم. اهـ
ولذلك، فإن دعاءك على نفسك لن يستجاب ـ إن شاء الله تعالى ـ وما عليك إلا أن تتوبي إلى الله تعالى وتسأليه العفو والعافية وطول العمر في طاعته، فخير الناس من طال عمره وحسن عمله.
والله أعلم.