السؤال
أنا طالب أدرس الفيزياء في أمريكا وقبل مدة كانت توجد محاضرة بعنوان: السفر عبر الزمن ـ جاء فيها: أن السفر عبر الزمن هو إما للمستقبل أو للماضي، السفر إلى المستقبل أصبح ممكنا بفضل نظرية مفارقة التوأم، أما السفر إلى الماضي فغير ممكن حاليا لكن مستحيل الأمس حقيقة اليوم ومستحيل اليوم حقيقة الغد، وعندما قلت هذا لأحد الشيوخ وجدته يحلف بالله مرات عديدة أن هذا غير ممكن وعندما سألته لماذا؟ قال لأن القرآن والسنة توجد فيهما نصوص تنفي هذه الفكرة وأن الله وحده هو المتحكم في الزمن وبدأ بسرد النصوص علي وعندما قلت له إن بعض المشايخ قال هذا عند تجربة الاستنساخ رد بأن الشيوخ قالوا بأن الباحثين الذين يحاولون إنجاح هذه التجربة آثمون، لأن القرآن والسنة يقولان بأن نجاح التجربة مستحيل لكن السفر إلى الماضي يوجد في نصوص كثيرة تقول إن هذه التجربة مستحيلة فإن كانت ممكنة فلماذا لا نذهب لعصر النبي صلى الله عليه وسلم ونكون صحابة ونكون بالتالي أفضل من الأئمة الأربعة مثلا فقلت له إن الكلام سهل لكن التنفيذ ربما يحتاج إلى قرون لكن ما المانع أن تكون صحابيا بهذه الطريقة؟ فهل حقا القرآن والسنة يقولان بأن نجاح هذه الفكرة غير ممكن؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالسفر عبر الزمان إن أريد به الانتقال بالزمن نفسه إلى الأمام أو إلى الخلف، بما يعني زيارة الماضي أو الاطلاع على المستقبل، فهذا غير ممكن، فقد قال تعالى: وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ { الأعراف: 188}.
وقال سبحانه: وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ {لقمان: 34}.
فالغيب لا يعلمه إلا الله، ولو أمكن السفر إليه ومعرفته لبطل ذلك، وقد قال تعالى: وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ {الأنعام: 59}.
وقال: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ {النمل: 65}.
وهنا ننبه على أن الزمن مجرد دالة حسابية بين متغيرين، ولا يمكن فصله أو تجريده بحيث يمكن السفر عبره أو اختراقه ولكن يمكن أن يطول أو يقصر مقارنة بغيره، كما في وصف أيام الدجال التي يلبثها في الأرض، حيث أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يلبث: أربعين يوما، يوم كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم. رواه مسلم.
وكما في قصة يوشع بن نون في فتحه بيت المقدس، حيث حضرها حين صلاة العصر فقال للشمس: أنت مأمورة وأنا مأمور، اللهم احبسها علي شيئا ـ فحبست عليه حتى فتح الله عليه. رواه البخاري ومسلم.
وأما إذا أريد بالسفر عبر الزمان إمكانية السفر في الفضاء واختصار الزمن، وليس السفر في الزمن نفسه، فهذا لا يحيله العقل، وقد حدث مثل ذلك مع النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج، وقد يتيسر للإنسان من العلم ما يؤهله لاستخدام طرق نقل ـ وليس وسائل نقل ـ تتخطى سرعة الضوء، فإن مقاربة هذه السرعة أو تخطيها هو ما تعتمد عليه فكرة السفر عبر الزمن في النظرية النسبية لأينشتاين، جاء في الموسوعة الحرة: يرى بعض العلماء أن السفر إلى الماضي لا يمكن أن يحدث وإنما يكون باستمرار في اتجاه المستقبل، والعبرة هي اقتراب سرعة الحركة من سرعة الضوء، لقد أدت تلك التصورات النظرية لإمكانية السفر عبر الزمن إلى مناقشة التناقضات الناتجة عن ذلك، كمثل أن يسافر المرء إلى الماضي ليقتل جدته قبل أن تحمل بأمه، أو أن يؤثر على مسار التاريخ فيمنع الحروب مثلا. اهـ.
ومما يمكن أن نتدبره من كتاب الله تعالى في هذا المجال، قوله عز وجل: مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا { الكهف: 51}.
فلو أمكن السفر عبر الزمان إلى الماضي لأمكن أن نشهد ذلك، وقوله سبحانه: أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ {إبراهيم: 9}.
وهذا يمكن أن نعلمه إذا سافرنا عبر الزمان!!.
والله أعلم.