السؤال
قرأت في فتاوى كثيرة لديكم أن الشيء المتنجس إذا زالت عين النجاسة منه فإن مالاقاه لا يتنجس، ولا تنتقل النجاسة حتى لو مس هذا الشيء المتنجس شيئا طاهرا مبلولا، لأن عين النجاسة أزيلت وبقي حكمها.
هل أفهم من هذا أن النجاسة الحكمية لا تنقل النجاسة حتى لو مسها طاهر مبلول وليس رطب.
وإذا كان الحال كذلك كيف تكون النجاسة حكمية؟ أنا أعرف الفرق بين النجاسة العينية والحكمية، لكن هل النجاسة إذا جفت كالبول مثلا إذا جف فلا يبقى له لون ولا رائحة هل أعتبره نجاسة حكمية؟
هل تتغير حال النجاسة من عينية إلى حكمية بالجفاف؟
وإذا بال ابني أو تبرز في ثيابه وكانت النجاسة ظاهرة في ثيابه فهذه نجاسة عينية، لكن إذا جلس في أي مكان وثيابه رطبة أو مبلولة. هل أعتبر انتقال النجاسة هنا حكمية؟ هل ما لاقته ملابس ابني وانتقلت إليها النجاسة أعتبرها نجاسة حكمية، وبالتالي لا تنجس ما تلاقيها حتى لو كان مبلولا؟ يعني إذا لامست النجاسة العينية مكانا. هل أعتبر المكان متنجس نجاسة حكمية؟
وما هو القول الذي آخذ به في تفسير النجاسة الحكمية والعينية، فالحنابله فسروها تفسيرا مختلفا.
أرجوكم ان تجيبوا على أسئلتي ولا تحيلوني إلى فتاوى أخرى لأني قرأت كثيرا من الفتاوى، وفهمت أشياء كثيره لكن هذه المسائل لم أفهمها. وإذا أحلتموني لن أفهم، وأنا أوسوس كثيرا في الطهارة، وإذا كان الحال كما فهمت ففيه تفريج كبير لي في حياتي.
أفيدوني فرج الله عليكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فنقول ابتداء إن الفقهاء يقسمون النجاسة بعدة اعتبارات, وباعتبار وجود عينها وعدم وجودها يمكن تقسيمها إلى عينية وحكمية. ولعل الإشكال فيما ذكرته قد جاءك من الاختلاف بين بعض المذاهب في تعريف النجاسة العينية والحكمية. فالشافعية يعرفون النجاسة العينية بأنها ما يحس والحكمية بأنها ما لا أثر لها كالبول إذا جف.
قال الشيخ زكريا الأنصاري الشافعي في أسنى المطالب: ثُمَّ النَّجَاسَةُ إمَّا عَيْنِيَّةٌ وَهِيَ التي تَحُسُّ أو حُكْمِيَّةٌ وَهِيَ بِخِلَافِهَا كَبَوْلٍ جَفَّ ولم يُوجَدْ له أَثَرٌ وَلَا رِيحٌ ... اهــ
وأما المالكية فهي عينية عندهم قبل أن تزول عينها، وحكمية إذا زالت عينها بما لا تطهر به، كالماء المضاف مثلا.
قال الشيخ الدردير: (ولو ) ( زال عين النجاسة ) عن المحل ( بغير المطلق ) من مضاف وبقي بلله فلاقى جافا أو جف ولاقى مبلولا ( لم يتنجس ملاقي محلها ) على المذهب إذ لم يبق إلا الحكم وهو لا ينتقل... اهـ
والبول إذا جف فإن نجاسته حكمية عند الشافعية كما عرفت, ولكن ليس معنى ذلك عدم تنجس ما يلاقي البول بعد جفافه من مبلول ورطب.
وأما المالكية فقد اضطرب كلامهم في البول بعد جفافه.
جاء في الميسر عند قول خليل: ولو زال عين النجاسة... لم يتنجس ملاقي محلها، قال: لأنه لم يبق إلا الحكم وهو لا ينتقل، ولذا لو جف البول حتى لم يبق له أثر ولاقى محله طعام مبلول لم ينجس لأن البول لا عين له، كما في الحطاب... ذكر أن من استجمر ثم عرق المحل لم يضر ثوبه لأنه أثر معفو عنه.
وقال صاحب الكفاف في شرحه: يكره النوم في ثوب نجس يعرق فيه، والأصح العفو عن محل الاستجمار، انظر الحطاب.
وقد ذكر الحطاب قولين في المسألة وقال إن الأكثرين على عدم التنجيس، وانظره في 1/165.
بينما جاء في الدسوقي: ( تنبيه ) ليس من زوال النجاسة جفاف البول بكثوب وحينئذ إذا لاقى محلا مبلولا نجسه. اهـ
ولعل الفتوى رقم: 110609 والفتوى رقم: 45775 هما مما تشيرين إليه من الفتاوى التي قلت إنك قرأت فيها أن الشيء المتنجس إذا زالت عين النجاسه منه فان ما لاقاه لا يتنجس ولا تنتقل النجاسة حتى لو مس هذا الشيء المتنجس شيئا طاهرا مبلولا، لأن عين النجاسه أزيلت وبقي حكمها... وقد عرفت مما ذكرنا أن هذا قد قال به بعض أهل العلم. وحيث إن السائلة مبتلاة بالوسوسة فيما يظهر وكما ذكرت هي عن نفسها في هذا السؤال وفي سؤال سابق ـ فلا نرى مانعا من أن تعمل بمذهب من يقول إن النجاسة الحكمية - أي التي زالت عينها بما لا تطهر به - لا تنتقل إلى ما لاقاها من رطب حتى تزول عنها تلك الوسوسة, وقد سبق لنا أن بينا أن النجاسة الحكمية لا تنتقل إلى ما لامسها إذا كان جافا كما بيناه في الفتوى السابقة والفتوى رقم 148961, وبينا أيضا أن انتقالها إلى ما لامسها إذا كان رطبا محل خلاف بين أهل العلم كما في الفتوى رقم 116329, والفتوى رقم 117811 والفتوى رقم: 62420.
والله تعالى أعلم.