الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعلم السحر بين المؤيدين والنفاة

السؤال

السحرة يتعلمون ما يضرهم ولاينفعهم. هل بعض السحر حلال؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فتعلم السحر من الأمور التي كادت الأمة تتفق على تحريمها، قال ابن قدامة في المغني: لا نعلم فيه خلافًا بين أهل العلم. اهـ.

وقال ابن عابدين في الدر المحتار: وفي حاشية الإيضاح لبيري زاده قال الشُّمني: تعلمه وتعليمه حرام. أقول: مقتضى الإطلاق، ولو تعلم لدفع الضرر عن المسلمين. اهـ.

وقال النووي في المجموع: فالمحرم كتعلم السحر، فإنه حرام على الصحيح. اهـ.

ودليل حرمة تعلمه وتعليمه، قول الله تبارك وتعالى: وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ [البقرة:102].

قال الباجي في شرح الموطأ: (فَلا تَكْفُرْ) أي: بتعلم السحر. اهـ.

وقال ابن قدامه في المغني: إنما نحن فتنة فلا تكفر. أي لا تتعلمه فتكفر بذلك. اهـ.

وهو يدل على أن هذا العلم مذموم كله وأنه مذموم لذاته، لأنه لو كان فيه ما يجوز تعلمه لما وصف الله تعالى متعلميه بهذا الوصف مطلقًا بدون قيد.

وقد ذهب بعض علماء المذاهب إلى جواز تعلم السحر للضرورة كـ ابن أبي هريرة من الشافعية، كما نقله عنه ابن حجر الهيتمي في تحفة المحتاج، وذكره قليوبي في حاشيته على شرح المنهاج دون أن ينسبه إليه فقال: وتعليمه حرام إلا لتحصيل نفع، أو لدفع ضرر، أو للوقوف على حقيقته. اهـ.

وقال ابن عابدين في رد المحتار: وفي ذخيرة الناظر: تعلمه فرض لرد سحر أهل الحرب، وحرام ليفرق بين المرأة وزوجها، وجائز ليوفق بينهما. اهـ.

وهذا القول مردود بالأدلة السابقة، ولأن في القرآن الكريم والسنة النبوية من الأدوية النافعة للسحر وغيره ما يكفي، ولأن تعلمه فيه خطر على صاحبه، وعلى المجتمع من حوله، فكان الاقتصار على القرآن والسنة والبعد عن ضدهما واجباً. هذا بالنسبة لتعلم السحر.

أما العلاج به، فجمهور العلماء على تحريمه كذلك، قال ابن القيم في أعلام الموقعين: والنشرة حل السحر عن المسحور، وهي نوعان: حل سحر بسحر مثله، وهو الذي من عمل الشيطان. اهـ.

وقال حافظ بن أحمد الحكمي: وحله بالوحي نصًا يُشرع: أما بسحر مثله فيُمنع.

وذهب الحنابلة إلى جواز استعمال السحر في نفع الغير للضرورة فقط. قال الحجاوي في الإقناع: وإن كان - يعني حل السحر - بشيء من السحر، فقد توقف فيه أحمد والمذهب جوازه ضرورة. اهـ.

وقال ابن مفلح في تصحيح الفروع نقلاً عن الآداب الكبرى: ويُحتمل أنه لا بأس به، لأنه محض نفع لأخيه المسلم. اهـ.

وقال البهوتي في كشاف القناع: قال في المغني: توقف أحمد في الحل، وهو إلى الجواز أميل. اهـ. وكذا نقله عنه المرداوي في الإنصاف، والرحيباني في مطالب أولي النهي.

والراجح في هذه المسألة - والله أعلم - هو عدم الجواز.

فلا يلجأ إليه بحال. ودعوى الاضطرار دعوى واهية، إذ لا اضطرار لعلاج السحر بالسحر مع وجود القرآن.

فيجب على المسلم البعد عن السحر مطلقًا تعلمًا وتعليمًا وعلاجًا، لما يترتب على ذلك من المفاسد التي لا حصر لها، كاستغلال حاجة الناس من جهة الساحر، وفساد عقيدة طالبيه للعلاج باعتقادهم النفع والضر فيه، وزهد الناس في العلاج القرآني.
وراجع الفتاوى التالية: 11104، 13974، 17499، 5252، 5856، 502.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني