الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل الأصل في الأشياء الحل أم المنع

السؤال

أفيدوني: هل الأصل في الأشياء الحلية أم الحرمة؟ يعني إذا لم يقم الرسول صلى الله عليه وسلم بأمر ولم ينه عنه، فهل العمل به حلال أم حرام؟ أرجوكم أفيدوني، لأنني تعبت من كثرة الكلام عن الصحيح والخطإ في هذا الموضوع، مثل العزاء والذبح عند المقابر بنية إطعام المساكين إلى ما هنالك، وليس عند أحد معين، وآسف على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالقاعدة النفيسة في هذا الباب هي أن ما كان من العبادات فالأصل فيه المنع حتى يأذن الشرع ويرد بمشروعية هذه العبادة، فلا يعبد الله تعالى إلا بما شرع، وأما غير العبادات فالأصل فيها الحل حتى يرد دليل المنع، وقد وضح هذا العلامة ابن عثيمين ـ رحمه الله ـ في نظمه في القواعد فقال:

والأصل في الأشياء حل وامنعِ عبادة إلا بإذن الشارعِ.

قال ـ رحمه الله ـ شارحا هذه القاعدة النفيسة: قوله: والأصل في الأشياء ـ هذا يعم الأعيان والمنافع والمعاملات والأفعال، وكل شيء الأصل فيه الحل، الأعيان إذا وجد الإنسان شجرا في البر فالأصل فيه الحل فليأكله ما لم يتيقن أنه من المهلكات، مثل: أن يكون شجرا ضارا، إذا وجد الإنسان طيرا أو زاحفا في البر فالأصل أنه حلال يحل أكله ما لم يقم الدليل على تحريمه، كذلك الأصل في المنافع أن الإنسان ينتفع بكل ما خلق الله في الأرض ما لم يكن الانتفاع حراما، وكذلك الأعمال الأصل فيها الحل إذا لم تكن عبادة، فأي معاملة عامل بها الإنسان غيره فهي معاملة صحيحة ما لم يقم الدليل على تحريمها، دليل ذلك في الأعيان والمنافع قول الله تبارك وتعالى: هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ـ فعمم وأكد التعميم، قال: ما في الأرض ـ وهذه اسم موصول تفيد العموم، ثم أكد هذا العموم بقوله: جميعا ـ ودليل المعاملات قوله تبارك وتعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ـ فأمر الله بالوفاء بالعقود على أي وجه أخذت، وبأي معاملة كانت ما لم يثبت تحريمه، وكذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: ما كان من شرط ليس في كتاب الله فهو باطل ـ فدل على أن ما كان في كتاب الله أي ما كان موافقا لكتاب الله فإنه غير باطل، وكذلك روي عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ـ وأمثال ذلك من الأدلة، فالأصل في الأشياء كلها الأعيان والمنافع والأعمال وغيرها الأصل فيها أنها حلال لا إثم فيها، قال الناظم: وامنع عبادة إلا بإذن الشارع ـ العبادات الأصل فيها المنع إلا بإذن الله، دليل ذلك أن الله أنكر على الذين يقولون: هذا حلال وهذا حرام إلا بإذن الله، وأنكر على الذين يشرعون أو يتبعون الشرائع التي لم يأذن الله بها فقال عز وجل: أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ ـ وأبطل النبي صلى الله عليه وسلم كل ما أحدثه الإنسان من العبادات في دين الله، فقال صلى الله عليه وسلم: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ـ فلو أن إنسانا تعبد لله تعالى بعبادة لم يشرعها الله كانت العبادة باطلة، سواء كانت لم تشرع من أصلها، أو شرعت على وجه آخر، وأثبت هو لها سببا غير ثابت شرعا فإنها مردودة عليه، فلو أن إنسانا فعل عبادة بسبب لم يجعله الله ورسوله سببا لها كان مبتدعا. انتهى.

ولعل بهذا الإيضاح يكون الإشكال قد زال عنك فيما لم يفعله النبي صلى الله عليه وسلم، فإن كان من باب العبادات كان ممتنعا علينا فعله إلا أن يرد دليل يدل على مشروعيته، وإن كان في غير باب العبادات فالأصل إباحته إلا أن يرد دليل يدل على منعه، وأما التعزية عند القبر فلا حرج فيها، وانظر الفتوى رقم: 153153، وما تضمنته من إحالات.

وأما الذبح عند القبور فلا يجوز وإن كان على الوجه المذكور، لما فيه من ذريعة الغلو، وقد جزم شيخ الإسلام ابن تيمية بتحريم الذبح عند القبور وكرهه آخرون، ولمزيد فائدة انظر الفتوى رقم: 74757.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني