الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالأصل في رفع درجات التفوق الدراسي هو أنها من الغش المحرم، والاعتداء على حقوق الآخرين الذين يتنافسون مع الطلاب على دخول الكليات التي يتطلب دخولها درجات عالية والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: من غش فليس مني. رواه مسلم.
ويقول الله تعالى: وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ {البقرة:190}.
وهذا الرفع المذكور قد يخول لبعض الطلبة تولي مناصب لا يصلحون لها بسبب تدني مستواهم المعرفي، والأصل أن الدولة يجب عليها اختيار الأصلح للوظائف العامة وتقديم الأعلى كفاءة، لأن في هذه الوظائف حقوقا عامة لجميع المسلمين، والمطلوب من المتصرف فيها أن يتصرف بالأصلح، وقد فصل شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ هذا المعنى فقال رحمه الله: يجب على ولي الأمر أن يولي على كل عمل من أعمال المسلمين, أصلح من يجده لذلك العمل، قال النبي صلى الله عليه وسلم: من ولي من أمر المسلمين شيئا, فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله، وفي رواية: من قلد رجلا عملا على عصابة, وهو يجد في تلك العصابة أرضى منه, فقد خان الله وخان رسوله وخان المؤمنين، رواه الحاكم في صحيحه، وروى بعضهم أنه من قول عمر لابن عمر، روي ذلك عنه، وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: من ولي من أمر المسلمين شيئا فولى رجلا لمودة أو قرابة بينهما, فقد خان الله ورسوله والمسلمين، وهذا واجب عليه فيجب عليه البحث عن المستحقين للولايات من نوابه على الأمصار, من الأمراء الذين هم نواب ذي السلطان, والقضاة, ومن أمراء الأجناد ومقدمي العساكر والصغار والكبار, وولاة الأموال من الوزراء والكتاب والشادين والسعاة على الخراج والصدقات, وغير ذلك من الأموال التي للمسلمين، وعلى كل واحد من هؤلاء أن يستنيب ويستعمل أصلح من يجده وينتهي ذلك إلى أئمة الصلاة والمؤذنين والمقرئين والمعلمين وأمير الحاج والبرد والعيون الذين هم القصاد, وخزان الأموال, وحراس الحصون, والحدادين الذين هم البوابون على الحصون والمدائن, ونقباء العساكر الكبار والصغار, وعرفاء القبائل والأسواق, ورؤساء القرى الذين هم الدهاقون، فيجب على كل من ولي شيئا من أمر المسلمين من هؤلاء وغيرهم أن يستعمل فيما تحت يده في كل موضع, أصلح من يقدر عليه .... فإن عدل عن الأحق الأصلح إلى غيره, لأجل قرابة بينهما, أو ولاء عتاقة أو صداقة, أو موافقة في بلد أو مذهب أو طريقة أو جنس, كالعربية والفارسية والتركية والرومية, أو لرشوة يأخذها منه من مال أو منفعة, أو غير ذلك من الأسباب, أو لضغن في قلبه على الأحق, أو عداوة بينهما, فقد خان الله ورسوله والمؤمنين, ودخل فيما نهي عنه في قوله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون، ثم قال: واعلموا أنما أموالكم وأولادكم فتنة, وأن الله عنده أجر عظيم ـ وقد أجمع المسلمون على معنى هذا, فإن وصي اليتيم وناظر الوقف, ووكيل الرجل في ماله, عليه أن يتصرف له بالأصلح فالأصلح, كما قال الله تعالى: ولا تقربوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن، ولم يقل إلا بالتي هي حسنة وذلك لأن الوالي راع على الناس بمنزلة راعي الغنم, كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته, فالإمام الذي على الناس راع وهو مسئول عن رعيته, والمرأة راعية في بيت زوجها, وهي مسئولة عن رعيتها, والولد راع في مال أبيه, وهو مسئول عن رعيته, والعبد راع في مال سيده وهو مسئول عن رعيته, ألا فكلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته، أخرجاه في الصحيحين، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ما من راع يسترعيه الله رعية, يموت يوم يموت, وهو غاش لها, إلا حرم الله عليه رائحة الجنة، رواه مسلم، ودخل أبو مسلم الخولاني على معاوية بن أبي سفيان, فقال: السلام عليك أيها الأجير, فقالوا: قل السلام عليك: أيها الأمير, فقال السلام أيها الأجير، فقالوا: قل أيها الأمير فقال السلام عليك أيها الأجير، فقالوا قل الأمير، فقال معاوية: دعوا أبا مسلم فإنه أعلم بما يقول، فقال: إنما أنت أجير استأجرك رب هذه الغنم لرعايتها, فإن أنت هنأت جرباها وداويت مرضاها, وحبست أولاها على أخراها وفاك سيدها أجرك, وإن أنت لم تهنأ جرباها ولم تداو مرضاها, ولم تحبس أولاها على أخراها عاقبك سيدها، وهذا ظاهر الاعتبار, فإن الخلق عباد الله, الولاة نواب الله على عباده, وهم وكلاء العباد على أنفسهم, بمنزلة أحد الشريكين مع الآخر, ففيهم معنى الولاية والوكالة, ثم الولي والوكيل متى استناب في أموره رجلا وترك من هو أصلح للتجارة أو المقارب منه, وباع السلعة بثمن, وهو يجد من يشتريها بخير من ذلك الثمن, فقد خان صاحبه لا سيما إن كان بين من حاباه وبينه مودة أو قربة, فإن صاحبه يبغضه ويذمه, أنه قد خان وداهن قريبه أو صديقه.....اهـ.
والله أعلم.