السؤال
لو كنت أعمل كمقاول, وعرض عليّ عقد بناء عمارة, وفي هذا العقد يوجد متطلبات مثل: وضع تلفاز في كل شقة, ووضع قنوات تأتي بالأخبار والمسلسلات والأفلام، وهذه القنوات تحتوي على محرمات كثيرة, مثل: الموسيقى, والعري، وبعد الانتهاء من البناء أخذت المال المتفق عليه عند الانتهاء، هل يكون كل المال الذي أخذته من وراء بناء هذه العمارة حرامًا؟ لأنه من شروط العقد وضع قنوات تحتوي على محرمات، لكن باقي المشروع لم يشمل على أي نوع من المحرمات، فما حكم هذا المال؟
الإجابــة
الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن الواجب على المسلم الحذر من العمل على كل ما يكون فيه نشر الشر والرذيلة، فإن الله تعالى قد أمرنا بالتعاون على البر والتقوى, ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان, فقال تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. سورة المائدة - الآية: 2
فلا يجوز للمسلم أن يعين على معصية أو ما فيه معصية، وإذا علم من حال من يعينه أنه سيستخدم هذا العون في الشر، أو فيما هو مخالف للشرع، فإنه يكون مشاركًا له في الإثم, وعليه مثل وزره، فقد روى مسلم في صحيحه أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: "من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص من أجورهم شيئًا، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص من آثامهم شيئًا" وانظر فتوانا رقم 164127.
ثم إن حكم تركيب القنوات المختلطة وفيها حلال وحرام مبني على علمك بحال هذا الشخص الذي ركبت له القنوات المذكورة، فإن كنت تعلم أنه لا يستعمل من القنوات الفضائية إلا ما يباح منها ويفيد في دين أو دنيا، فلا بأس بتركيبها, وإن كنت تعلم من حاله أنه سيشاهد ما هبّ ودبّ من القنوات، ولا يقتصر على المفيد النافع، فلا يجوز لك أن تركبها, ولا أن تعينه بأي وجه كان على استعمالها؛ وذلك لأن ما يوصل إلى الحرام حرام، وما لا يتم ترك الحرام إلا بتركه فتركه واجب، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، وقد قال الله عز وجل: وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة: 2} والقاعدة أن الوسائل لها أحكام المقاصد, وقد سبقت فتوى في بيان هذه القاعدة برقم: 50387 وكان الواجب عليك ابتداء الامتناع عن الموافقة على عقد يترتب عليه ارتكاب محرم, أو يعين عليه, أما وقد وقع ما وقع, وتم تنفيذك ما طلب منك, فالواجب عليك التوبة إلى الله تعالى, وراجع شروط التوبة بالفتوى رقم 5450.
وأما المال الذي قبضته مقابل عقد المقاولة فلا يحرم كله، بل يصح العقد فيما هو حلال, ويحرم فيما هو حرام، فيجب عليك التخلص بقدر الحرام من هذا المال, وإنفاقه في وجوه الخير بنية التخلص من المال الحرام, لا بنية الصدقة.
وراجع لمزيد من الفائدة الفتويين: 123982 ، 54819.
والله أعلم.