الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حلف على بنته ألا تصبغ شعرها فصبغت بدون علمه، فهل عليها كفارة اليمين

السؤال

كنتُ أودّ صبغ شعري ولكن والدي أبى ذلك، وحلف يميناً ليحجمني عن الإقدام على الأمر، ولكنّي فعلت ذلك حينها وخالفت أمره، وأنوي فعل ذلك بعد تلك المرة لأن سبب الرفض لا شيء، فهنا ما الذي عليّ فعله، مع العلم أن والدي لا يعلم بالأمر وأخشى ضيق صدره عندما يعلم ؟
أي هل عليّ كفّارة تجاه هذا الحلف ؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن من المعلوم عند كل مسلم أن بر الوالدين وطاعتهما بالمعروف من أعظم الواجبات؛ فنصوص الوحي من القرآن والسنة مليئة بالوصية بالوالدين والإحسان إليهما.. فكان عليك أن تطيعي والدك فيما لا إثم فيه ولا ضرر عليك.

جاء في فتاوى ابن الصلاح الشافعي: طاعة الوالدين واجبة في كل ما ليس بمعصية، ومخالفة أمرهما في كل ذلك عقوق.

غير أن بعض أهل العلم ذكروا أنه حيث نشأ أمر الوالد أو نهيه عن مجرد الحمق والغباوة لم يلتفت إليه.

وعليه؛ فلو كان السبب وراء رفض والدك هو لا شيء -كما ذكرت- لم يكن عليك حرج في رفض ما أمر به. ولكن لا يبدو أنك على صواب في زعمك أن لا سبب لرفضه؛ إذ الغالب أن الوالد شديد الحرص على إسعاد ولده، وقد يكون الرفض هنا لأن الصبغ المذكور محرم أو لأن البنت ستتبرج به أو لأنه لا يجمل بالنسبة لها، أو لغير ذلك من الأسباب... وراجعي في فتوانا رقم: 76303 ضوابط وجوب طاعة الوالدين.
وتتأكد طاعة الوالد بحلفه عليك فيما لا إثم فيه ولا ضرر عليك ؛ فمن حق المسلم على المسلم إبرار قسمه ما لم يكن في إبراره إثم أو حرج؛ لما رواه البخاري من حديث البراء -رضي الله عنه- قال: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع.. ومنها: إبرار المقسِم... الحديث.

ولذلك فإن ما فعلت يعتبر معصية لما فيه من العقوق، فعليك أن تستغفري الله تعالى وتتوبي إليه.

وفي خصوص ما ذكرته من تحنيث والدك وخشيتك من ضيق صدره عندما يعلم... فإن كنت لا تتوقعين حصول الضرر له إذا علم بما فعلته فالصواب أن تخبريه معتذرة له بأنك أحنثته، ليكفر عن يمينه أو ياذن لك في التكفير عنه.

وإن كنت تخشين عليه الضرر من ذلك فنرجو أن لا يكون عليك حرج في عدم إخباره، وأن تقلدي من يقول بصحة التكفير عن الغير دون إذنه.

قال ابن عبد البر في التمهيد: قال مالك وجمهور أصحابه إلا أشهب: من كفر عن غيره بأمره أو بغير أمره أجزأه.

وقال الحطاب في مواهب الجليل عند ذكره للخلاف فِيمَنْ كَفَّرَ عَنْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ عِلْمِهِ وَإِذْنِهِ: وَأَنْ يُجْزِيَهُ أَحْسَنُ، لِأَنَّهُ حَقٌّ مَالِيٌّ فَيَسْقُطُ عَنْهُ إذَا أَدَّي عَنْهُ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ كَالدَّيْنِ.

وفي عمدة القاري شرح صحيح البخاري للعيني عند قول البخاري: باب ذبح الرجل البقر عن نسائه من غير أمرهن، فيه من الفقه أنه من كفر عن غيره كفارة يمين أو كفارة ظهار أو قتل أو أهدى عنه أو أدى عنه دينا فإن ذلك يكون مجزئا عنه.

ولمعرفة حكم صبغ الشعر انظري الفتوى: 135209 وما أحيل عليه فيها .

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني