السؤال
ماذا أفعل جزاكم الله خيرا.
في يوم ما، لا أتذكر جيدا هل عاهدت نفسي أم عاهدت الله تعالى، وأظن أني أقسمت أيضا أني لن أعمل حراما في حياتي، وأني لن أكفر بالله أبدا. وأشياء أخرى، وكنت لا أعلم جيدا ما معنى الحرام، فكان الحرام عندي هو شرب الخمر والزنى وما هو معروف عياذا بالله، و لكني كنت السنة الماضية مجبرة أن أذهب إلى عرس فيه اختلاط، ورقص، مع العلم أني كنت أعرف حينئذ أنه لا يجوز، ولكن ليس بيدي الأمر، وأصبحت أفكر كثيرا في أشياء ترعبني مثلا هل يمكن للكون أن يكون بدون إله، ولكني لم أقتنع بذلك أبدا، بل فقط أريد أن يكون إسلامي يقينا، ومبنيا على حجج واضحة، وأخاف أن أموت وأنا أفكر في تلك الأمور، ولكن الآن والحمد لله تعالى لم تعد تراودني كثيرا هذه الأفكار، خاصة عندما أتذكر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم، ولكني أعاني من الوساوس كثيرا، وأريد أن أعرف هل علي كفارة ذلك العهد أو القسم، أولا بسبب العرس المختلط أو ما شابه ذلك عندما أكون مجبرة؟
ثانيا: أظن أنني فعلت محرمات "صغيرة " باختياري، أو بجهالة. يعني لست متعمدة حقا، ولكن بتفريط مني كرؤية شخص جميل، أو ما شابه ذلك.
ثالثا: بسبب الأفكار التي راودتني عن الله سبحانه و تعالى، أستغفر الله العظيم، ولكن كما قلت لم أُقِرّها أبدا فقط من أجل أن أكون مقتنعة، والحمد لله الذي عافاني.
أعتذر عن الإطالة وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الواجب على المسلم أن يجتنب المعاصي كلها ما ظهر منها وما بطن، قال الله تعالى: قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ {الأعراف:33}، وقال تعالى: وَلاَ تَقْرَبُواْ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ [الأنعام: 151].
وأما عن عهدك، فمن عاهد الله على ترك معصية ففعلها، فالواجب عليه مع التوبة كفارة يمين، على الراجح، ما دام أضاف العهد إلى الله تعالى، لقول الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {النحل:91}. كما سبق بيانه في الفتاوى التالية أرقامها: 7375، 29057، 0.
وأما إذا كان العهد المذكور مما عاهدت به نفسك فقط، فلا تلزمك كفارة إذا أخلفته، لكن كان يجب عليك الوفاء به، لوجوب الامتناع عن المحرمات، وعموم الأدلة الدالة على طلب الوفاء بالعهد، كقوله تعالى: وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً [الإسراء:34] وقال تعالى: وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا [البقرة:177].
وأنت ما دمت تعانين من الوسوسة، ولا تجزمين بأنك عاهدت الله، ولا بالحلف، فلا كفارة عليك؛ لأن الأصل براءة الذمة حتى يثبت الحلف.
جاء في الموسوعة الفقهية في موضوع الشك في اليمين: إما أن يكون الشك في أصل اليمين هل وقعت أو لا، كشكه في وقوع الحلف، أوالحلف والحنث. فلا شيء على الشاك في هذه الصورة، لأن الأصل براءة الذمة، واليقين لا يزول بالشك. انتهى.
وفي غمز عيون البصائر: قاعدة: من شك هل فعل شيئا أم لا؟ فالأصل أنه لم يفعل، ثم ذكر من فروعها من شك هل حلف بالله أو بالطلاق, أو بالعتاق، فينبغي أن يكون حلفه باطلا, قال: ثم رأيت المسألة في البزازية في شك الأيمان: حلف ونسي أنه بالله تعالى, أو بالطلاق, أو بالعتاق، فحلفه باطل. انتهى، قال الشارح: أي فلا شيء عليه.
وفي حاشية العدوي على الخرشي: إذا شك هل قال أنت طالق أو لم يقل، أو شك هل حلف وحنث، أو لم يحلف ولم يحنث، فلا شيء عليه. اهـ.
وأما عن الأفكار، فإن الله تجاوز لهذه الأمة عما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم، واجتهدي في دعاء الله تعالى أن يصرف عنك ما تجدين من الوسواس.
وراجعي لمزيد الفائدة الفتويين: 134196، 51601.
والله أعلم.