الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الأدلة على استحالة القول بوجود الكون مصادفة

السؤال

ملحد يقول: افرض لو وجد كذا صدفة، ولو كان الاحتمال 1 على لا نهاية، فممكن حتى ولو 1 على مليار مليار مليار.
مثلا يمكن لقرد أن يكتب شعرا مثل شيكسبير ولو كان الاحتمال 1 على ألف مليار فإنه، يبقى ممكنا ومحتملا، وكذلك نشأة البيج بانج. فرد عليه: كيف يخلق البج بانج نفسه إذا كان مستحيلا وجود شيء من العدم، ولم يستطع خلق نفسه إذ لم يكن قبل وجود نفسه؟
فرد الملحد: طالما ممكن أن يكتب القرد كشيكسبير من أول تجربة و لو الاحتمالات 1 على لا نهاية وبقي ذلك الواحد فمن الممكن!
فتحير المؤمن، ولكن حاول أن يجره بعيدا عن الناس لئلا يتأثروا بكلامه.
لاحظوا أن هذا الكلام من ريتشارد دوكينز في كتاب وهم الإله، أو صانع الساعات الأعمى.
فاحتج المؤمن بقانون السببية، وإن كان لم يعلم كيف يرد عليه بقوانين الاحتمال. فكيف يفعل؟
العجيب أن المؤمن اعترف: "لست من علماء المسلمين فتعال أحيلك على أحدهم".
ولكن هل "دوكنز" يستكبر عن الإيمان عنادا أم إنه فعلا أعمى وإن لبس النظارات وكذلك سائر الملاحدة؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فإن الحامل على إلحاد ذلك الشخص المسؤول عنه هو الكبر والعناد؛ لأن الإيمان بوجود الله تعالى وأنه سبحانه المتصرِّف الوحيد في الكون أمر مركوز في الفِطرة، ولا يستطيع أي إنسان أن يدفعه عن نفسه مهما حاول، قال تعالى: فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا {الروم:30}، وإن الذي يدفع بعض الناس إلى الإلحاد ونفي وجودِ إلهٍ له القدرة المطلقة، ومستحق للعبادة دون سواه. هو أنهم لا يريدون أن يلتزموا بشرعٍ يأمرهم وينهاهم، فأراحوا أنفسهم بتكذيب فكرة الإله وقتْلها في أنفسهم، ولما عجزوا عن تفسير هذا الانتظام العجيب في الكون وهذه العناية والهداية للمخلوقات حتى للأجنة في أرحام أمهاتها! عَزَو ذلك للمصادفة وقوانين الاحتمالات!!

إن تفسير نشأة الكون بأنه نشأ صدفة (أي: اتفاقًا) كما يدَّعي ذلك الملحد تفسير سطحي وساذَج.

قال الشيخ الدكتور عمر سليمان الأشقر رحمه الله تعالى في كتابه المهم: (العقيدة في الله): "يبدو القول: إنّ هذا الكون خلق مصادفة من غير خالق ليس قولاً بعيدًا عن الصواب فحسب، بل قول بعيد عن المعقول، يُدخل صاحبه في عداد المخرفين الذين فقدوا عقولهم أو كادوا، فهم يكابرون في الدليل الذي لا يجد العقل بُدّاً من التسليم به. لقد وُجد من يقول: "لو جلست ستة من القردة على آلات كاتبة، وظلت تضرب على حروفها بلايين السنين، فلا نستبعد أن نجد في بعض الأوراق الأخيرة التي كتبتها قصيدة من قصائد شكسبير، فكذلك الكون الموجود الآن، إنما وجد نتيجة لعمليات عمياء، ظلت تدور في ((المادة)) لبلايين السنين"، يقول وحيد الدين خان بعد نقله لهذه الفقرة من كلام (هكسلي) [صاحب نظرية الصدفة]: "إنَّ أيّ كلام من هذا القبيل لغو مثير بكل ما تحويه هذه الكلمة من معان، فإنّ جميع علومنا تجهل - إلى يوم الناس هذا - أية مصادفة أنتجت واقعاً عظيماً ذا روح عجيبة، في روعة الكون". وينقل عن عالم آخر إنكاره لهذه المقالة قوله: "إنّ القول إن الحياة وجدت نتيجة حادث اتفاقي شبيه في مغزاه بأن نتوقع إعداد معجم ضخم نتيجة انفجار صُدفي يقع في مطبعة". ويقرر وحيد الدين خان: "أنّ الرياضيات التي تعطينا نكتة المصادفة، هي نفسها التي تنفي أيّ إمكان رياضي في وجود الكون الحالي بفعل قانون المصادفة". وخذ هذا المثال الذي نقله وحيد الدين خان عن العالم الأمريكي (كريستي موريسون) يبين فيه استحالة القول بوجود الكون مصادفة، قال: "لو تناولت عشرة دراهم، وكتبت عليها الأعداد من واحد إلى عشرة، ثم رميتها في جيبك، وخلطتها جيداً، ثم حاولت أن تخرج من الواحد إلى العاشر بالترتيب العددي بحيث تلقي كلّ درهم في جيبك بعد تناوله مرة أخرى، فإمكان أن نتناول الدرهم المكتوب عليه واحد في المحاولة الأولى هو واحد في العشرة، وإمكان أن نخرج الدراهم من (1-10) بالترتيب واحد في عشرة بلايين". وعلى ذلك فكم يستغرق بناء هذا الكون لو نشأ بالمصادفة والاتفاق؟ إنَّ حساب ذلك بالطريقة نفسها يجعل هذا الاحتمال خيالياً يصعب حسابه فضلاً عن تصوره. إنَّ كلَّ ما في الكون يحكي أنَّه إيجاد موجد حكيم عليم خبير، ولكنَّ الإنسان ظلوم جهول (قتل الإنسان ما أكفره - من أي شيء خلقه - من نطفةٍ خلقه فقدره - ثم السبيل يسره - ثم أماته فأقبره - ثم إذا شاء أنشره - كلا لمّا يقض ما أمره - فلينظر الإنسان إلى طعامه - أنا صببنا الماء صباً - ثم شققنا الأرض شقاً - فأنبتنا فيها حباً - وعنباً وقضباً - وزيتوناً ونخلاً) [عبس: 17-29] . كيف يمكن أن تتأتى المصادفة في خلق الإنسان وتكوينه، وفي صنع طعامه على هذا النحو المقدّر الذي تشارك فيه الأرض والسماء، وصدق الله في وصفه للإنسان (إنَّه كان ظلوماً جهولاً) [الأحزاب: 72]" ا.هـ. من كتاب: (العقيدة في الله).

وأما أن الكون نشأ عن انفجار عظيم (بيج بانج) - لو ثبت - فلا يمنع بوجه من الوجوه وجود خالق مدبِّر هو الذي أمر بهذا الانفجار (على فرض صحة النظرية)، فالعقل الصريح يقطع بأنه ما من مصنوع إلا وله صانع، وما من أثر (كالانفجار العظيم) إلا وله مؤثر فيه هو الذي أنشأه، وانظر الفتوى رقم: 16975، وانظر مناقشة من يفسر نشأة الكون بهذا الانفجار العظيم في كتاب: (الفيزياء ووجود الخالق) للدكتور جعفر شيخ إدريس.

هذا، والذي ننصحك به هو أن تنشغل بطلب العلم النافع من مظانه، وأن لا تتصدى لمناقشة الملحدين؛ فإن مناقشتهم بدون التسلح بالعلم الراسخ قد يبذر في قلبك بذور الشك أو يوقعك في الوسوسة والعياذ بالله.

وانظر طائفة من الأدلة العقلية والنقلية على وجود الله تعالى في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 97683 // 75468 // 48913 // 22279 // 22055.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني