الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

توجيه قوله تعالى في سورة المؤمنون: (سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) في المواضع الثلاثة

السؤال

قال تعالى في سورة المؤمنون: "قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (84) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (85) قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (86) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (87) قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (88) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ (89)" عندما كان السؤال لمن؟ كانت الإجابة: لله, فهل هناك من حكمة معروفة لديكم؟ ولماذا عندما كان السؤال "مَن" كانت الإجابة أيضًا "لله" ولم تكن الله؟
أنا أقصد عند قول الله عز وجل: "لمن الأرض" فكان في الآية التي بعدها "لله", وعند قول الله عز وجل: "من رب السماوات" وكذلك عند قوله عز وجل: "من بيده" كانت الإجابة "لله" أيضًا ولم تكن الله مباشرة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فقد قرأ الجمهور في قوله تعالى: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ بلام الجر, وفي قراءة أبي عمرو "اللهُ" بالرفع, وفي توجيه ذلك يقول الشيخ الشنقيطي في أضواء البيان: وقوله تعالى: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ جاء في هذه الآيات ثلاث مرات: الأول: سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَذَكَّرُونَ, وهذه اتفق جميع السبعة على قراءتها بلام الجر الداخلة على لفظ الجلالة؛ لأنها جواب المجرور بلام الجر، وقوله تعالى: قُل لِّمَنِ الأرض وَمَن فِيهَا فجواب لمن الأرض، هو أن تقول: لله، وأما الثاني الذي هو سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ, والثالث: الذي هو قوله: "سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فأنى تُسْحَرُونَ" فقد قرأهما أبو عمرو بحذف لام الجر, ورفع الهاء من لفظ الجلالة, والمعنى على قراءة أبي عمرو المذكورة واضح لا إشكال فيه؛ لأن الظاهر في جواب من رب السموات السبع، ورب العرش العظيم، أن تقول: الله بالرفع, أي: رب ما ذكر هو الله، وكذلك جواب قوله: مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ, فيه معنى من هو مالك السموات والأرض، والعرش، وكل شيء فيحسن الجواب بأن يقال: لله, أي: كل ذلك ملك لله، ونظيره من كلام العرب قول الشاعر:

إذا قيل من رب المزالف والقرى ... ورب الجياد الجرد قلت: لخالد.

لأن قوله: من رب المزالف فيه معنى من هو مالكها، فحسن الجواب باللام, أي: هي لخالد, والمزالف: جمع مزلفة كمرحلة, قال في القاموس: هي كل قرية تكون بين البر والريف، وجمعها مزالف. اهـ.

وقال الطاهر بن عاشور في التحرير والتنوير: وقرأ الجمهور سيقولون لله بلام جارة لاسم الجلالة, على أنه حكاية لجوابهم المتوقع بمعناه لا بلفظه؛ لأنهم لما سئلوا بـ (مَن) التي هي للاستفهام عن تعيين ذات المستفهم عنه كان مقتضى الاستعمال أن يكون الجواب بذكر اسم ذات المسؤول عنه، فكان العدول عن ذلك إلى الجواب عن كون السماوات السبع والعرش مملوكة لله عدولًا إلى جانب المعنى دون اللفظ, مراعاة لكون المستفهم عنه لوحظ بوصف الربوبية, والربوبية تقتضي الملك, ونظير هذا الاستعمال ما أنشده القرطبي وصاحب «المطلع » :

إذَا قِيلَ مَنْ ربّ المَزَالف والقرى ... وربّ الجياد الجُرد؟ قلت: لخالد.

ولم أقف على من سبقهما بذكر هذا البيت, ولعلهما أخذاه من «تفسير الزجاج», ولم يعزواه إلى قائل, ولعل قائله حذا به حذو استعمال الآية, وأقول: إن الأجدر أن نبين وجه صوغ الآية بهذا الأسلوب, فأرى أن ذلك لقصد التعريض بأنهم يحترزون عن أن يقولوا: رب السماوات السبع اللَّهُ؛ لأنهم أثبتوا مع الله أربابًا في السماوات؛ إذ عبدوا الملائكة, فهم عدلوا عما فيه نفي الربوبية عن معبوداتهم, واقتصروا على الإقرار بأن السماوات ملك لله؛ لأن ذلك لا يبطل أوهام شركهم من أصلها؛ ألا ترى أنهم يقولون في التلبية في الحج «لبيك لا شريك لك إلا شريكًا هو لك ، تملكه وما ملك», ففي حكاية جوابهم بهذا اللفظ تورك عليهم؛ ولذلك ذيل حكاية جوابهم بالإنكار عليهم انتفاء اتقائهم الله تعالى, وقرأه أبو عمرو ويعقوب: "سيقولون الله" بدون لام الجر, وهو كذلك في مصحف البصرة, وبذلك كان اسم الجلالة مرفوعًا على أنه خبر (مَن) في قوله: "من رب السموات:, والمعنى واحد ........اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني