السؤال
شيخي الفاضل، حفظك المولى.
هناك سؤالٌ حيرني كثيراً، وآمل بإذن الله أن أجد جاوباً شافياً لديكم.
سؤالي يتعلق بصيام رمضان فائت: أنا لا أعلم يقيناً هل فعلاً يجب علي القضاء أم لا؟ والتفاصيل كالآتي:
حينما بلغت من العمر أحد عشر عاماً تقريباً، ظهرت علي إحدى علامات البلوغ ألا وهي ( الإنبات ) وقتها لم أكن أعلم أصلاً أن هذه علامة على البلوغ. كنت أعتقد أني ما أزال طفلة ولست مكلفة !
مرَ علي رمضان ولم أصمه إلا بضعة أيامٍ منه، لا أذكر عددها بالتحديد، ولم أكن أصلي بشكلٍ جيد حتى !( سامحني الله وغفر لي ) مرت قرابة السنة وأكثر قليلاً، وبلغت بنزول الحيض. حينها فقط علمت بحسب تفكيري القاصر أني بلغت وأصبحت مكلفة شرعاً، والتزمت من وقتها بصيام رمضان، أما الصلاة فلا ! للأسف الشديد.
بقيت هكذا لسنوات إلى أن هداني الله بفضله ورحمته، وأصبحت أحافظ على صلاتي وأمور ديني. أنا حالياً أدرس التفسير وعلوم القرآن ولله الحمد، وأرجو من الله أن يغفر لي تقصيري وجهلي، وأن ينفعني بما أتعلم.
قبل مدة تذكرت تلك السنة التي لم أصم رمضان فيها. أفتاني شيخٌ وهو كان تلميذاً لابن باز رحمه الله. أنه ليس علي أبداً قضاء، حيث إن الإنبات علامة على البلوغ وليس بلوغاً. بعدها بفترة سمعت فتوى الشيخ المنجد -حفظه الله- لامرأة حالها كحالي أن عليها قضاء. وأصبحت في حيرةٍ من أمري، ولم أعد أعرف ماذا أفعل !
وليس لي بعد الله إلا أنتم. فأفتوني جزاكم الله خيراً.
عذراً على الإطالة.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه ومن والاه، أما بعد:
فبلوغ البنت سن التكليف يحصل بواحدة من أربع: إما الإنبات، أو الإنزال، أو إتمام خمس عشرة سنة قمرية، أو الحيض. وقد فصلنا تلك العلامات في الفتوى رقم: 10024, ولمزيد فائدة راجعي الفتوى رقم: 78480.
والإنبات علامة على البلوغ في المفتى به عندنا وهو مذهب المالكية، والحنابلة, وذهب غيرهم إلى أنه ليس علامة على البلوغ.
جاء في الموسوعة الفقهية: يَرَى الْمَالِكِيَّةُ عَلَى الْمَذْهَبِ، وَالْحَنَابِلَةُ، وَاللَّيْثُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ، أَنَّ الإْنْبَاتَ - وَهُوَ ظُهُورُ الشَّعْرِ الْخَشِنِ لِلْعَانَةِ - عَلاَمَةُ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا, وَلَمْ يَعْتَبِرْ أَبُو حَنِيفَةَ الإْنْبَاتَ عَلاَمَةَ الْبُلُوغِ مُطْلَقًا، وَأَمَّا الشَّافِعِيُّ فَقَدِ اعْتَبَرَ الإْنْبَاتَ أَمَارَةً عَلَى الْبُلُوغِ فِي حَقِّ الْكَافِرِ، وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِي الْمُسْلِمِ ... اهـ.
وجاء فيها أيضا: فَيَرَى الشَّافِعِيَّةُ أَنَّ الإْنْبَاتَ يَقْتَضِي الْحُكْمَ بِبُلُوغِ وَلَدِ الْكَافِرِ، وَمَنْ جُهِل إِسْلاَمُهُ، دُونَ الْمُسْلِمِ وَالْمُسْلِمَةِ. وَهُوَ عِنْدَهُمْ أَمَارَةٌ عَلَى الْبُلُوغِ بِالسِّنِّ أَوْ بِالإْنْزَال، وَلَيْسَ بُلُوغًا حَقِيقَةً. قَالُوا: وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَحْتَلِمْ، وَشَهِدَ عَدْلاَنِ بِأَنَّ عُمُرَهُ دُونَ خَمْسَ عَشْرَةَ سَنَةً، لَمْ يُحْكَمْ بِبُلُوغِهِ بِالإْنْبَاتِ. اهـ.
ولعل الشيخ الفاضل الذي أفتاك بأنه علامة على البلوغ وليس هو البلوغ، يرى مذهب الشافعية في هذا, والذي يمكننا قوله لك هو أن الإنبات علامة على البلوغ، ويحكم به ببلوغ صاحبه، فتطالبين بقضاء تلك الأيام التي أفطرتها من تلك السنة، ولا يسقط عنك القضاء لأجل الجهل.
قال ابن عثيمين- رحمه الله تعالى- فيمن جاءها الحيض أول مرة وجهلت أنه علامة للبلوغ وأفطرت: هذه السائلة التي ذكرت عن نفسها أنها أتاها الحيض وهي في الرابع عشرة من عمرها، ولم تعلم أن البلوغ يحصل بذلك، ليس عليها إثم حين تركت الصيام في تلك السنة؛ لأنها جاهلة، والجاهل لا إثم عليه. لكن حين علمت أن الصيام واجب عليها، فإنه يجب عليها أن تبادر بقضاء ذلك الشهر الذي أتاها بعد أن حاضت، فإن المرأة إذا بلغت وجب عليها الصوم، وبلوغ المرأة يحصل بواحد من أربعة: إما أن يتم لها خمس عشرة سنة، وإما أن تنبت عانتها، وإما أن تنزل، وإما أن تحيض. فإذا حصل واحد من هذه الأربعة فقد بلغت، وكلفت، ووجبت عليها العبادات كما تجب على الكبير. فأقول لها: إنه يجب عليها الآن إذا لم تكن قد صامت الشهر الذي صادفها وهي حائض، أقول إنه يجب عليها الآن أن تصومه، ولتبادر به حتى يزول عنها الإثم، نعم. اهـ.
وكذا يلزمك قضاء الصلوات التي تركتها جهلا أو تكاسلا؛ لأنها دين في ذمتك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: فدين الله أحق أن يقضى. متفق عليه. والصلاة المتروكة عمداً يجب قضاؤها عند جمهور العلماء بمن فيهم الأئمة الأربعة، وعلى هذا القول فإذا جهلت عدد الصلوات المتروكة، فإنك تجتهدين في معرفة عددها وتقضين ما يغلب على الظن براءة ذمتك به.
وكذا الصيام، فإذا كنت تجهلين عدد الأيام، فواصلي القضاء حتى يغلب على ظنك براءة الذمة.
والله تعالى أعلم