الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ثواب الابتلاء ودلالاته

السؤال

أنا أعاني من شعور قاس بالظلم ‏المستمر منذ طفولتي، ومن أهلي ‏خاصة، وكنت أتوعد بالانتقام منهم ‏عند ما أكبر، وهجرانهم، لكن عند ما ‏كبرت وأدركت أن هذا غير جائز، ‏كتمت ما في نفسي ابتغاء مرضات ‏الله، ولكن من حين إلى آخر نتشاجر ‏أنا وأمي، وأحيانا يندفع ما في قلبي ‏عن إهمالها لنا، وسوء رعايتنا ‏أطفالا، وهي وأبي منفصلان منذ ‏كنت طفلة صغيرة، الآن عندي أبناء ‏ولا أقبل بطريقتها في معاملتهم ضد ‏تربيتي وتربية أبيهم لهم، وهي تتعمد ذلك ‏وتتشاجر معي، ومع زوجي كثيرا بسبب ‏ذلك، ولا تهتم للناصحين لها، وهي ‏دائمة الدعاء علي حتى لأجل أتفه ‏الأمور، بل بلغ بها الأمر حد الدعاء على ‏جنيني داخل بطني، حتى إنها ذهبت ‏إلى الأزهر واستفتتهم في أنها دعت ‏بالسوء على أمها وعلي، واستجاب الله ‏لها، ثم ندمت على ذلك، فأفتوها بأن ‏استجابة الله لها ليست دليلا على ‏قربها من الله، وإنما ستحاسب على ‏هذا، وأنه من شرور نفسها، وعليها ‏بالتوبة والاستغفار، ومع ذلك لم تنته. ‏ولأقل شيء ترجمني بألوان من سوء ‏الدعاء، وتهددني بدعائها عليّ. وأبي ‏لا يختلف عنها كثيرا في السلوك إلا ‏أن احتكاكي به مرات معدودة في ‏السنة، والاثنان يجمعهما الظلم ‏والافتراء، والدعاء بالسوء للانتقام ‏فقط. وأحاول التجاوز عن هذا لله ما ‏استطعت. لكني لاحظت أني أتعرض ‏للكثير من المظالم في حياتي بشكل ‏عام، وأتغاضى عن الكثير وأقول هذا ‏ابتلاء، وذاك رفع درجات، وهذا حال ‏آخر الزمان، ولامني المقربون على عدم ‏محاولتي الانتصار لنفسي، وأنا أظن ‏أن أسباب النصر غالبا ما تكون غير ‏كافيه لنصرتي، فأحتسب وأحترق في ‏نفسي. ثم زاد الأمر سوءاً فحتى عند ‏ما آخذ بأسباب النصر لا أنتصر عادة ‏بل ويزداد ظلمي أكثر!! حتى في ‏محاولاتي رفع الظلم عن غيري لا ‏أدري ماذا يحدث، يسبب لهم تدخلي ‏المزيد من المشاكل، وأقول لنفسي ما ‏لكم كيف تحكمون! فقدت الثقة بنفسي، ‏وصلت لمرحلة التخبط، والتساؤل ‏والحيرة والبكاء. هل حقاً ما أعانيه ‏لسنين من مظالم متفرقه هو ابتلاءات ‏فقط؟ هل أزكي نفسي بثواب المظلوم ‏هباء ؟ لا أدري ما أقول لله عن حالي ‏لكن أقول لنفسي ربما هذا ظني في ‏الدنيا أني مظلومة، وفي الآخرة أفاجأ ‏بأني لا حق لي في شيء، ولم ‏يظلمني أحد بل وقد أكون أنا ‏الظالمة؟؟ ليس ظلماً من الله لي حاشا، ‏ولكن قد يريني الله ما لم أر من سوء ‏نفسي في الدنيا بالحق؟! ‏
هل ما أنا فيه من عدم توفيق، وعدم ‏استقرار، وعدم الانتصار هل هو ‏غضب من الله؟ هل بسبب سوء ما ‏بيني وبين أهلي؟ هل أتوقف تماماً ‏عن محاولاتي البائسة في رفع الظلم ‏عن نفسي حتى لا أصاب بخيبة أمل ‏من الفشل الكثير والمتكرر؟ لم أعد ‏أدرك كيف عليّ التصرف وكيف ‏أظن في الله، وكأني أفقد عقلي مرة ‏بعد مرة. ماذا أفعل؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فننبهك أولاً إلى أن حق والديك عليك عظيم مهما كان حالهما، ومهما قصرا في حقك وأهملاك في الصغر، وانظري الفتوى رقم: 115982
فالواجب عليك بر والديك ومصاحبتهما بالمعروف، ولا سيما الأم فإن حقها آكد، ولا يعني ذلك أن تتركيها تفعل ما يضرك في تربية أولادك أو غير ذلك، لكن عليك أن تجتنبي هذا الضرر بحكمة وأدب من غير إساءة أو غلظة، وإذا قمت بواجبك نحو والديك فلا يضرك بعد ذلك عدم رضاهما عنك أو دعاؤهما عليك؛ وانظري الفتوى رقم: 65339
واعلمي أن كل ما يصيب العبد ويجري عليه في الدنيا فهو بقدر من أقدار الله التي كتبها قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، والتي يجريها على عباده بحكمته البالغة ورحمته الواسعة.

وكل ما يصيبك من أذى فأنت مأجورة عليه -بإذن الله- إذا صبرت واحتسبت، ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب، ولا هم ولا حزن، ولا أذى، ولا غم حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه.

واعلمي أن الابتلاء ليس دليلاً على غضب الله، بل قد يكون دليلاً على محبة الله للعبد؛ فعن أنس بن مالك- رضي الله عنه- قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن عظم الجزاء مع عظم البلاء، وإن الله إذا أحب قوما ابتلاهم، فمن رضي فله الرضى، ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي.

لكن على أية حال، فإنه إذا نزلت المصائب على العبد، أو شعر بعدم التوفيق في بعض الأمور، فعليه أن يتهمّ نفسه ويراجع حاله مع الله، فإنّه لم ينزل بلاء إلا بذنب ولم يكشف إلا بتوبة.

قال ابن القيم: ومن عقوبات الذنوب أنها تزيل النعم وتحل النقم، فما زالت عن العبد نعمة إلا لسبب ذنب، ولا حلت به نقمة إلا بذنب. الجواب الكافي.

فعليك مراجعة نفسك، وتجديد التوبة من كل الذنوب، والحرص على أداء الفرائض واجتناب المعاصي الظاهرة والباطنة، وأكثري من الذكر والدعاء، فإن الله قريب مجيب.
وللفائدة ننصحك بالتواصل مع قسم الاستشارات بموقعنا.
والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني