السؤال
يقول ابن عثيمين - رحمه الله -: (إن الله عز وجل له وجه, وله عين, وله يد, وله رجل - عز وجل - لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان؛ فهناك شيء من الشبه, لكنه ليس على سبيل المماثلة) وقد استشنعت هذه العبارة, والقياس, فهل يجوز أن نقول: (إن الله عز وجل له وجه, وله عين, وله يد, وله رجل - عز وجل - لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للحيوان؛ فهناك شيء من الشبه, لكنه ليس على سبيل المماثلة - والعياذ بالله - أليست هذه بهذه؟ نرجو التوضيح.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فكثير من أسئلة الأخ السائل تتعرض لموضوع الأسماء والصفات، كتلك الأسئلة التي سبق أن أجبناها في الفتاوى ذوات الأرقام التالية: 197839، 197355، 197259، 196483، 192153.
ولذلك فإننا ننصحه بالاشتغال بطلب العلم, وتدبر نصوص الوحيين, وتعلم العقيدة الصحيحة, والاعتصام بمنهج أهل السنة والجماعة في الاعتقاد والعمل، والبعد عن شبه أهل الضلال؛ لئلا تنطلي عليه، فإن السلامة لا يعدلها شيء، وقد قال ابن القيم في مفتاح دار السعادة: قال لي شيخ الإسلام رضي الله عنه - وقد جعلت أورد عليه إيرادًا بعد إيراد-: لا تجعل قلبك للإيرادات والشبهات مثل السفنجة فيتشربها، فلا ينضح إلا بها، ولكن اجعله كالزجاجة المصمتة تمر الشبهات بظاهرها ولا تستقر فيها، فيراها بصفائه ويدفعها بصلابته، وإلا فإذا أشربت قلبك كل شبهة تمر عليها صار مقرًا للشبهات - أو كما قال - فما أعلم أني انتفعت بوصية في دفع الشبهات كانتفاعي بذلك، وإنما سميت الشبهة شبهة لاشتباه الحق بالباطل فيها، فإنها تلبس ثوب الحق على جسم الباطل ... اهـ.
وأما بالنسبة لموضوع هذا السؤال، فإن الذي يقرأ كلام العلامة ابن عثيمين بكامله في شرح العقيدة الواسطية, ولا يبتره عن سياقه: لا يستشنعه -كما حدث للسائل- بل يجده متناسبًا مع مقام الشرح والإيضاح لطلبة العلم, فقد كان الشيخ يشرح قول شيخ الإسلام ابن تيمية: ومن غير تمثيل. فقرر ـ رحمه الله ـ أن أهل السنة يتبرؤون من تمثيل الله عز وجل بخلقه، في ذاته وفي صفاته, ثم ذكر معنى التمثيل وأدلة بطلانه، ثم أورد بعض الأحاديث التي يتعلق بها من وقع في طامة التمثيل، ومنها حديث: إن الله خلق آدم على صورته. ثم أجاب عن ذلك إجمالًا وتفصيلًا، ثم اختار أسلم القولين في تأويل الحديث، وقال: ما دمنا نجد أن لظاهر اللفظ مساغًا في اللغة العربية وإمكانًا في العقل، فالواجب حمل الكلام عليه، ونحن وجدنا أن الصورة لا يلزم منها مماثلة الصورة الأخرى، وحينئذ يكون الأسلم أن نحمله على ظاهره, فإذا قلت: ما هي الصورة التي تكون لله ويكون آدم عليها؟ قلنا: إن الله عز وجل له وجه, وله عين, وله يد, وله رجل - عز وجل - لكن لا يلزم من أن تكون هذه الأشياء مماثلة للإنسان، فهناك شيء من الشبه لكنه ليس على سبيل المماثلة، كما أن الزمرة الأولى من أهل الجنة فيها شبه من القمر لكن بدون مماثلة، وبهذا يصدق ما ذهب إليه أهل السنة والجماعة، من أن جميع صفات الله سبحانه وتعالى ليست مماثلة لصفات المخلوقين، من غير تحريف ولا تعطيل، ومن غير تكييف ولا تمثيل. اهـ. واجع لمزيد الفائدة عن ذلك الفتوى: 2359.
ثم بين - رحمه الله - أن التعبير بالتمثيل أولى من التعبير بالتشبيه لثلاثة أمور:
أولًا: لأن القرآن عبر به: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ {الشورى:11}، وقال: فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا {البقرة:22}، وما أشبه ذلك، وكل ما عبر به القرآن، فهو أولى من غيره؛ لأننا لا نجد أفضل من القرآن, ولا أدل على المعنى المراد من القرآن، والله أعلم بما يريده من كلامه، فتكون موافقة القرآن هي الصواب، فنعبر بنفي التمثيل, وهكذا في كل مكان، فإن موافقة النص في اللفظ أولى من ذكر لفظ مرادف أو مقارب.
ثانيًا: أن التشبيه عند بعض الناس يعني إثبات الصفات، ولهذا يسمون أهل السنة: مشبهة, فإن قلنا: من غير تشبيه, وهذا الرجل لا يفهم من التشبيه إلا إثبات الصفات، صار كأننا نقول له: من غير إثبات صفات! ... فصار معنى التشبيه يوهم معنى فاسدًا؛ فلهذا كان العدول عنه أولى.
ثالثًا: أن نفي التشبيه على الإطلاق غير صحيح؛ لأن ما من شيئين من الأعيان أو من الصفات إلا وبينهما اشتراك من بعض الوجوه، والاشتراك نوع تشابه، فلو نفيت التشبيه مطلقًا، لكنت نفيت كل ما يشترك فيه الخالق والمخلوق في شيء ما، مثلًا: الوجود، يشترك في أصله الخالق والمخلوق، هذا نوع اشتراك ونوع تشابه، لكن فرق بين الوجودين، وجود الخالق واجب, ووجود المخلوق ممكن, وكذلك السمع فيه اشتراك، الإنسان له سمع، والخالق له سمع، لكن بينهما فرق، لكن أصل وجود السمع المشترك, فإذا قلنا: من غير تشبيه, ونفينا مطلق التشبيه، صار في هذا إشكال. اهـ.
والله أعلم.