الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تفسير (وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ)

السؤال

ما تفسير قوله تعالى: (واعبد ربك حتى يأتيك اليقين)؟
وجزاكم الله خيراً.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أما بعد:

فالله -جلَّ وعلا- يقول: وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ [الحجر:99].

والمعنى: اعبد يا محمد ربك حتى يأتيك الموت الذي أنت موقن به، وقد نقل الطبري في تفسيره عن كثير من السلف تأويلهم لليقين في هذه الآيات بالموت.

قال القرطبي: وَالْمُرَادُ ‌اسْتِمْرَارُ ‌الْعِبَادَةِ مُدَّةَ حَيَاتِهِ، كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحِ:" وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا. انتهى.

وقال ابن كثير في تفسيره مدلالاً على أن اليقين هنا هو الموت، وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ أَهْلِ النَّارِ أَنَّهُمْ قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخائِضِينَ وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ حَتَّى أَتانَا الْيَقِينُ [المدثر:43-47].

وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، عَنْ أُمِّ الْعَلَاءِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا دَخَلَ عَلَى عثمان بن مظعون وقد مات، قالت أم العلاء: رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ أَبَا السَّائِبِ، فَشَهَادَتِي عَلَيْكَ لَقَدْ أَكْرَمَكَ اللَّهِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَمَا يُدْرِيكَ أَنَّ اللَّهَ أَكْرَمُهُ؟ فَقُلْتُ: بِأَبِي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ؟ فَقَالَ: «أَمَّا هُوَ فَقَدْ جَاءَهُ الْيَقِينُ، وإني لأرجو له الخير. والحديث رواه البخاري وغيره.

ثم قال ابن كثير: وَيُسْتَدَلُّ بِهَا عَلَى تَخْطِئَةِ مَنْ ذَهَبَ مِنَ الْمَلَاحِدَةِ إِلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْيَقِينِ الْمُعْرِفَةُ، ‌فَمَتَى ‌وَصَلَ ‌أَحَدُهُمْ ‌إِلَى ‌الْمَعْرِفَةِ سَقَطَ عَنْهُ التَّكْلِيفُ عِنْدَهُمْ.

وَهَذَا كُفْرٌ وَضَلَالٌ وَجَهْلٌ، فَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ، عليهم السلام، كَانُوا هُمْ وَأَصْحَابُهُمْ أَعْلَمَ النَّاسِ بِاللَّهِ وَأَعْرَفَهُمْ بِحُقُوقِهِ وَصِفَاتِهِ، وَمَا يَسْتَحِقُّ مِنَ التَّعْظِيمِ، وَكَانُوا مَعَ هَذَا أَعْبَدَ النَّاسِ وَأَكْثَرَ النَّاسِ عِبَادَةً وَمُوَاظَبَةً عَلَى فِعْلِ الْخَيْرَاتِ إِلَى حِينِ الْوَفَاةِ. وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِالْيَقِينِ هَاهُنَا الْمَوْتُ، كَمَا قَدَّمْنَاهُ. وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ. انتهى.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني