السؤال
يُقال في بعض الخصائص الفقهية أنه إذا انتفت العلة، انتفى الحكم.
فهل هذا صحيح؟ وهل هو مطبق في أي حكم مهما كانت علة حرمته ؟
بارك الله فيكم.
يُقال في بعض الخصائص الفقهية أنه إذا انتفت العلة، انتفى الحكم.
فهل هذا صحيح؟ وهل هو مطبق في أي حكم مهما كانت علة حرمته ؟
بارك الله فيكم.
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فهذه القاعدة إنما تجري على عمومها إذا ما كانت العلة تامة، وقطعية.
قال الشيخ السعدي في: (رسالة لطيفة جامعة في أصول الفقه المهمة) تعليقا على قاعدة: (الحكم يدور مع علته ثبوتاً وعدماً)
قال: فالعلل التامة التي يعلم أن الشارع رتب عليها الأحكام، متى وجدت وجد الحكم، ومتى فقدت لم يثبت الحكم. اهـ.
والعلة التامة هي: ما يجب وجود المعلول عندها، وقيل: العلة التامة جملة ما يتوقف عليه وجود الشيء، وقيل: هي تمام ما يتوقف عليه وجود الشيء، بمعنى أنه لا يكون وراءه شيء يتوقف عليه. كما قال الجرجاني في (التعريفات).
وجاء في (جامع العلوم في اصطلاحات الفنون): المراد بالتأثير التام عدم الاحتياج في إيجاد المعلول إلى شيء آخر. اهـ.
فمثل هذه العلة التامة إذا عرفت بالنص الشرعي، دار معها الحكم وجودا وعدما، كما أشار إليه الشيخ السعدي. وأما إذا لم تكن تامة، أو لم تعرف بنص الشرع، فهنا يمكن أن يبقى الحكم مع عدمها. وراجع في ذلك الفتوى رقم: 77581. وراجع للفائدة الفتوى رقم: 73938.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية في (مجموع الفتاوى): العلة إذا عدمت عدم الحكم المتعلق بها بعينه، لكن يجوز وجود مثل ذلك الحكم بعلة أخرى، فإذا وجد ذلك الحكم بدون علة أخرى، علم أنها عديمة التأثير وبطلت، وأما إذا وجد نظير ذلك الحكم بعلة أخرى، كان نوع ذلك الحكم معللاً بعلتين، وهذا جائز، كما إذا قيل في المرأة المرتدة: كفرت بعد إسلامها، فتقتل قياساً على الرجل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا يحل دم امرئ مسلم يشهد أن لا إله إلا الله إلا بإحدى ثلاث: رجل كفر بعد إسلامه، أو زنى بعد إحصانه، أو قتل نفساً فقتل بها. فإذا قيل له: لا تأثير لقولك: كفر بعد إسلامه، فإن الرجل يقتل بمجرد الكفر، وحينئذ فالمرأة لا تقتل بمجرد الكفر، فيقول: هذه علة ثابتة بالنص، وبقوله: "من بدَّل دينه فاقتلوه". وأما الرجل فما قتلته لمجرد كفره، بل لكفره وجراءته، ولهذا لا أقتل من كان عاجزاً عن القتال كالشيخ الهرم ونحوه، وأما الكفر بعد الإسلام فعلة أخرى مبيحة للدم، ولهذا قُتل بالردة من كان عاجزاً عن القتال كالشيخ الكبير. اهـ.
وقال الشيخ محمد بن علي بن حسين مفتى المالكية بمكة المكرمة في (تهذيب الفروق) في بيان الفرق بين المحرم والمكروه لذاته، وبين المحرم والمكروه لعارض: قال العلامة الأنبابي في تقريراته على باجوري السنوسية: يظهر أن المراد بالمحرم لذاته، والمكروه لذاته، ما لم يكن تحريمه وكراهته لعلة يدور معها وجودا وعدما، والمحرم لعارض، والمكروه لعارض ما كان تحريمه وكراهته لعلة يدور معها وجودا وعدما، فالزنا، وشرب الخمر من قبيل المحرم لذاته؛ لأن تحريم الزنا لا يدور مع علته التي هي اختلاط الأنساب وجودا وعدما؛ إذ قد تنتفي العلة ويوجد التحريم، كما إذا وطئ رجل صغيرة. وكذلك تحريم شرب الخمر لا يدور مع علته التي هي الإسكار؛ إذ قد ينتفي الإسكار ويوجد التحريم، كما إذا اعتاد الشخص شرب الخمر بحيث لا يؤثر في عقله شيء، أو شرب قدرا لا يسكر. والوضوء بماء مغصوب من المحرم لعارض؛ لأن تحريمه يدور مع علته التي هي الاستيلاء على حق الغير عدوانا وجودا وعدما ... اهـ.
والله أعلم.
يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني