السؤال
حول قصة مانع الزكاة التي وردت في سورة التوبة في قوله تعالى: ومنهم من عاهد الله لئن آتانا الله من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين ـ إلى آخر الآيات، لدي سؤالان أفادكم الله:
1ـ عمن تتحدث هذه القصة، لأنكم ذكرتم في ردود عدة أنه رغم إشارة بعض المفسرين مثل ابن عباس والحسن البصري وكذا بعض التفاسير مثل الجلالين وغيره أنه ثعلبة بن حاطب، إلا أن عدة روايات أخرى تنفي ذلك عنه، لأنه صاحبي بدري مشهود له بالإيمان؟.
2ـ هل هناك خوف من أن يصيبنا مثل ما أصاب هذا الشخص حينما أورد رب العزة فيما تلي من آيات: فأعقبهم نفاقاً في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون ـ حيث إن المرء قد يرتكب ذنباً قد عاهد الله ألا يفعله ولكنه يقع فيه ـ والعياذ بالله ـ وهل من الممكن أن يحل سخط الله عز وجل على نفس القياس؟ وجزاكم الله خير الجزاء على مجهودكم في خدمة المسلمين.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنه لا يصح ما يحكى عن ثعلبة ـ رضي الله عنه ـ كما بينا بالفتوى رقم: 50041.
والراجح في تفسير الآية ما ذكره ابن حجر: أن ابن وهب قال: قال ابن زيد في قوله: ومنهم من عاهد الله لئن أتانا من فضله ـ الآية، قال: هؤلاء صنف من المنافقين، فلما آتاهم ذلك بخلوا، فأعقبهم بذلك نفاقاً إلى يوم يلقونه، ليس لهم منه توبة ولا مغفرة ولا عفو، كما أصاب إبليس حين منعه التوبة. انتهى.
هذا، وإن الوفاء بالعهد مطلوب لو كان مع خلق الله، فكيف إذا كان هذا العهد مع الخالق؟! فقد حض الله على الوفاء بالعهد ولا سيما إذا كان العهد مع الله وكان ذلك في أمر شرعي، فقد قال الله تعالى: وَأَوْفُواْ بِعَهْدِ اللّهِ إِذَا عَاهَدتُّمْ وَلاَ تَنقُضُواْ الأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ {النحل:91}.
وقال تعالى: وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً {الإسراء:34}.
وقال تعالى: وَمِنْهُم مَّنْ عَاهَدَ اللّهَ لَئِنْ آتَانَا مِن فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ فَلَمَّا آتَاهُم مِّن فَضْلِهِ بَخِلُواْ بِهِ وَتَوَلَّواْ وَّهُم مُّعْرِضُونَ فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُواْ اللّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُواْ يَكْذِبُونَ {التوبة: 75ـ 77}.
وقد بينا في فتاوى سابقة خلاف المذاهب فيمن قال: أعاهد الله على كذا ـ هل يكون يمينا، أو نذرا ويمينا، أو لا يلزمه شيء؟ وذكرنا ترجيح شيخ الإسلام أن من عاهد على قربة وطاعة فهو نذر ويمين، قال ابن القيم في إعلام الموقعين: إذا قال: إن سلمني الله تصدقت، أو لأتصدقن، فهو وعد وعده الله، فعليه أن يفي به، وإلا دخل في قوله: فأعقبهم نفاقا في قلوبهم إلى يوم يلقونه بما أخلفوا الله ما وعدوه وبما كانوا يكذبون { التوبة: 77} فوعد العبد ربه نذر يجب عليه أن يفي له به، فإنه جعله جزاء وشكرا له على نعمته عليه، فجرى مجرى عقود المعاوضات لا عقود التبرعات، وهو أولى باللزوم من أن يقول ابتداء: لله علي كذا، فإن هذا التزام منه لنفسه أن يفعل ذلك، والأول تعليق بشرط وقد وجد، فيجب فعل المشروط عنده، لالتزامه له بوعده، فإن الالتزام تارة يكون بصريح الإيجاب، وتارة يكون بالوعد، وتارة يكون بالشروع، كشروعه في الجهاد والحج والعمرة، والالتزام بالوعد آكد من الالتزام بالشروع، وآكد من الالتزام بصريح الإيجاب، فإن الله سبحانه ذم من خالف ما التزمه له بالوعد، وعاقبه بالنفاق في قلبه، ومدح من وفى بما نذره له، وأمر بإتمام ما شرع فيه له من الحج والعمرة، فجاء الالتزام بالوعد آكد الأقسام الثلاثة، وإخلافه يعقب النفاق في القلب. اهـ.
وانظر الفتوى رقم: 7375.
والله أعلم.