السؤال
أعاني من الوسواس القهري، ومشكلتي أني عندما أفعل شيئا، أعيده. ولكي أضع حدا للإعادة، أحلف بالله أني سأفعله آخر مرة، ولن أعيده. أو أقول: أعد الله أني سأفعله آخر مرة، ولن أعيده. أحيانا أقول: إذا تضررت سأبطل وعدي، أو حلفي، فأقول إلا أن يشاء الله. وأحيانا أنسى هذا القسم، أو الوعيد وأفعله. وأنا حاليا أشعر بتقصير مع الله في حفظ الأيمان، وأخاف من عقاب الله.
أريد نصيحتكم. وماذا أفعل في الوعد أو القسم إذا فعلته لكن نسيت؟ وهل يبطل الوعد أو الحلف في حالة قول: إلا أن يشاء الله حتى لو بعد يوم أو بومين من الحلف، أو الوعد أني حلفت أو وعدت وهل أصوم كفارة؟
أفيدوني أفادكم الله.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فنسأل الله أن يعافيك، وأن يعافي مبتلى المسلمين، وننصحك بالإعراض عن الوسواس، وعدم الالتفات إليه، وسؤال الله العافية منها. فالوسواس داءٌ عُضال، إذا تحكم من قلب العبد أوقعه في شرٍ عظيم، وجره إلى عواقب وخيمة؛ ولمعرفة علاج الوسوسة راجع الفتوى رقم: 51601
وأما الاستثاء في اليمين بالمشيئة، فإنه يسقط كفارة الحنث؛ لما جاء في الحديث: من حلف على يمين، فقال: إن شاء الله، فقد استثنى، فلا حنث عليه. أخرجه أصحاب السنن، وصححه الألباني. لكن يشترط عند عامة العلماء أن يكون الاستثاء متصلا باليمين.
جاء في اختلاف العلماء لابن نصر المروزي: قَالَ سُفْيَانُ: وإِذَاحلف واستثنى مَعَ يمينه، فقال: إن شاء الله متصلا مَعَ يمينه، فلا يحنث. فإن استثنى فِي نفسه، فلَيْسَ بشيء حتى يتكلم ويتحرك لسانه، وإن لم يسمعه صاحبه. وَهُوَ قَوْل مَالك، وأَصْحَاب الرَّأْيِ؛ وَهُوَ قَوْل الشَّافِعِيّ إِلَّا أَنَّهُ قَالَ: إن كَانَ بين يمينه واستثنائه سكتة كسكتة الرَّجُل بين الكلام للعي، والتعسر، وانقطاع الصوت، ثُمَّ وصل الاستثناء، فَهُوَ موصول. وإنما القطع أن يحلف، ثُمَّ يأخذ فِي كلام لَيْسَ من اليمين، أَوْ يسكت مختارا للسكت. فَإِذَافعل ذَلِكَ ثُمَّ استثنى لم يكن له استثناء. وَقَالَ أَحْمَدُ: له أن يستثني ما دام فِي مجلسه، ما لم يأخذ فِي شَيْء آخر. واحتج بالْحَدِيْث الذي يروى عَن عكرمة، بعضهم يرسله، وبعضهم يصيره عَنِ ابْنِ عَبَّاس، عَن النَّبِيّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: والله لاأغزون قريشا، ثم سكت، ثُمَّ قَالَ: إن شاء الله . قَالَ إِسْحَاق: إِذَا حلف وَهُوَ يريد أن يستثني، فنسي الاستثناء عِنْدَ فراغه من اليمين، فله أن يستثني مَتَى ما ذكر ولا حنث عَلَيْهِ إِذَا استثنى. واحتج بحَدِيْث ابْن عَبَّاس أَنَّهُ قَالَ: إِذَا نسي الاستثناء، فله أن يستثني ولو بَعْد سنة، وقرأ: {وَاذْكُر رَّبَّكَ إِذَا نَسِيتَ [الكهف: 24} وَقَالَ أَبُوْعُبَيْدٍ: معنى حَدِيْث ابْن عَبَّاس أَنَّهُ إِذَا استثنى بَعْد سنة، سقط عنه المأثم. وأما الكفارة فإنها لَا تسقط . قَالَ أَبُوْ عَبْدِ اللهِ: وأنا أقول بقول الشَّافِعِيّ، وعن ابْن عُمَر قَالَ: لا أخشين يمينا فيها إن شاء الله، إِذَا كانت موصولة .اهـ . فالاستثناء في اليمين بعد يومين لغو لا تأثير له في إسقاط كفارة الحنث.
وإذا فعلت المحلوف عليه ناسيا، فلا كفارة عليك عند جمهور العلماء.
جاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الحالف إن فعل المحلوف عليه ناسيا، فلا حنث، إذا كانت اليمين بغير الطلاق، والعتاق، والجاهل عندهم كالناسي فلا يحنث بفعله، أما المكره فيحنث في الإكراه غير الملجئ ولا يحنث في الإكراه الملجئ. وذهب الشافعية في الأظهر إلى أنه إذا وجد القول، أو الفعل المحلوف عليه على وجه الإكراه أو النسيان، أو الجهل فلا يحنث سواء أكانت اليمين بالله، أم بالطلاق؛ لخبر: تجاوز الله عن أمتي الخطأ، والنسيان، وما استكرهوا عليه. وذهب الحنفية إلى أنه يحنث بالمخالفة مع النسيان ولو مع الإكراه، أو الإغماء، أو الجنون ونحوها. وذهب المالكية إلى أنه يحنث بالمخالفة مع النسيان. اهـ.
وراجع الفتويين: 113074 2526 .
أما معاهدة الله، فهي يمين عند جمهور العلماء، تجب كفارة اليمين في نقضها، كما بيناه في الفتويين: 29746 7375.
وأما كفارة اليمين، فقد جاءت الكفارة في الآية على التخيير والترتيب، أما التخيير: فبين خصال ثلاثة، وهي: العتق، أو إطعام عشرة مساكين، أو كسوة عشرة مساكين؛ يخير في هذه الأمور، فإن لم يقدر على واحدة منها فإنه يصوم ثلاثة أيام. فلا يجزئ الصيام مع القدرة على أي من تلك الخصال الثلاث. وراجع الفتوى رقم: 2053.
وهل تتعدد الكفارة بتعدد الأيمان أم لا ؟ في ذلك تفصيل، تراجع فيه الفتوى رقم: 79783.
وفي حال جهل عدد الأيمان، والعجز عن حصرها، فليكفر عما يغلب على الظن حصول براءة الذمة به، كما سبق بيانه في الفتوى رقم: 163179.
ونكرر النصيحة لك بالإعراض عن الوساوس، واعلم أن اليمين ليست علاجا للوسوسة بل إنها تزيد الوسوسة، كالحطب يزيد النار اشتعالا.
والله أعلم.