الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

امض في طلب العلم وبين لوالدك فضل طلبه

السؤال

أستفتيكم اليوم عن مسألة وقعت بها في حيرة شديدة؛ فآمل جدًّا -وأنا أعلم أن هذا ليس بالأمر اليسير- أن تعجلوا بالجواب. أنا طالب لا زلت في مراحل الدراسة، وقد منَّ الله علي إذ جعلني ممن يحبون أهل العلم السائرين على المنهج الصحيح - ما كان عليه الصحابة - رضوان الله عليهم - أمثال ابن تيمية وابن عثيمين - رحمهما الله - كارهًا للبدع, وأرجو أني من ذوي الغيرة على أهل العلم وأعرف قدرهم، ومنَّ علي إذ جعلني محبًا لطلب العلم, راغبًا فيه؛ حتى كدت أفرغ نفسي لطلب العلم في هذه الإجازة - والحمد لله - وأجتنب طلب العلم بالحرام، كمثل قراءة الكتب محفوظة الحقوق عبر الإنترنت مثلًا، ولكن ليس لي طريق لطلب العلم إلا الإنترنت وما عليه من كتب متاحة - كمثل موقع الشيخ ابن عثيمين, وكذلك الكتب الأقدم, وكذلك الصوتيات وتفريغاتها, والقليل من الكتب المطبوعة المتوفرة عندي، فلا أقدر إلا على ذلك الآن, أما والدي، فهو - الحمد لله - ليس من أتباع الليبراليين وأمثالهم، وأعلم أن والدي لا يمانع من طلب العلم بالكلية، ولكن -ولا أدري كيف أعبر عن ذلك بأسلوب واضح - تصدر عنده تعليقات يظهر منها استياء، ولا أخفي عليكم أن والدي محقٌ في بعض كلامه؛ فأنا مقصر - ولا أنكر - في حقه هو ووالدتي، وعليَّ إصلاح ما يجب إصلاحه، وكذلك محقٌ في ألا أُفرِّط في صحتي, وأنا أعلم أن كثيرًا من تعليقات والدي على قراءتي تنتج عن أسباب, منها: أنه لا يعلم بالتحديد ماذا أفعل؟ لكن يعلم أني أقرأ كلامًا له علاقة بديننا فقط، وكذلك من الأسباب أنه يريد مني بعض الأفعال، كثير منها هو محق فيها، وكثير منها لا يجوز فعله، كمثل مصافحة النساء الأجنبيات، وقد تكون بعض تعليقات والدي تتعلق بمنهج من أقرأ لهم، فقد يعلق على ابن تيمية مثلًا أو غيره، وذلك ليس علمًا به وبأقواله, أو أقوال مخالفيه بعمق، بل قد يحدث أن يستهين بطلب العلم, فيعلق على مسائل فقهية كأنها تافهة لا فائدة منها, أو يقول: أهذا العلم الحديث؟ ناصحًا إياي أن أقرأ فيما يفيدني, وأنا إن فعلت ما ليس بطلب العلم ولا يتعلق بطلب العلم كانت لوالدي تعليقات مشابهة إلى حد كبير، وهكذا الحال، ولذلك ولأسباب كثيرة لا أقدر أن أقول: إن والدي يرفض أن أقرأ بالكلية بإطلاق، لكنه قد يعلق سلبًا على القراءة، وقد يعلق على ما يراه من أن قراءتي حول ذلك كثيرة، وقد يعلق على ما يحسبها دوافع القراءة، وقد يعلق على ما يراها من نتائج القراءة, ومن ذلك ترك بعض المحرمات, فهو يعتبر ذلك من الأخطاء, فتعليقاته سلبية تجاه ذلك، وقد يقول فيها قولًا إن نظرنا له فقط لقلنا: إنه يرفض, وهو لو أراد منعي من القراءة أو لو أراد نهيي عنها بشكل صريح مباشر، فهو قادر - والله أعلم - ولكنه لا يفعل, وأنا لا أخفي عليكم شدة تعلقي بطلب العلم والقراءة، وأني لا أكاد أدري ماذا أفعل في وقت فراغي إن لم أقدر على طلب العلم، فقد يضيع كثير من الوقت بلا فائدة - والله أعلم بما يكون - علمًا أن عندي جهازًا أهداه لي والدي قريبًا عن طيب نفس - والله أعلم - وهو يعلم أن أكثر ما أفعله به طلب العلم، ولكن السؤال عن حكم استعمال الإنترنت، علمًا أن والدي يسمح لي باستعماله إن أضعت وقتي أو طلبت العلم, واستعمالي له إن زاد أو قل، أو كان في طلب العلم أو في تضييع الأوقات، كل ذلك لا يؤثر على ما يدفعه والدي من مال للشركة, فسؤالي عن استعمال الإنترنت وتعليقات أبي كما ذكرت, وكثير منها لا يكون فيها نهيًا, ولكن ندب لأفعال أخرى, منها ما لا يصح، بل لا أظن والدي نهاني نهيًا صريحًا عامًا عن طلب العلم, ولكن له تعليقات سلبية، ووالدي هو الذي يدفع رسوم الاشتراك للإنترنت, فهل يجوز؟ وهل يعتبر ذلك من التصرف في مال أبي بما لا يرضاه؟ لا أدري: أهذه الأفكار -وهي كثيرة متنوعة- وسوسة من الشيطان لأمتنع عن طلب العلم - الله أعلم - ونظرًا لأني كثير الوسوسة جدًا، ولأن الجواب يتأخر، ولأني أعلم أن والدي لا يعارض طلب العلم بالكلية، قد كنت قررت أن أسأل, ولكن أتابع القراءة منتظرًا الجواب، خصوصًا مع عدم وضوح موقف والدي, وأنا أعلم أني لو سألته ما كان ليرفض الأمر بالكلية - والله أعلم - وإني لأخاف من فعل ذلك أن آثم، إذ أكون أقدمت على الفعل قبل معرفة حكم الله فيه, وقد أوجه كثيرًا من تركيزي نحو قراءة القرآن حينئذ - إن شاء الله - وإن فكرت في بديل، فمن ذلك أن أتابع قناة دينية، لكني أحسب أن تعليقات والدي ستتكرر وتزيد إذا فعلت ذلك, فالتعليقات لا تنحصر في الإنترنت، بل قد تأتي كذلك حتى لو أكثرت من الصلاة! وهكذا الأمر, فلو كان الجواب بالمنع التام، فقياسًا عليه قد لا أستطيع أن أعبد الله تطوعًا في البيت إلا أقل القليل، وكثير من الأفعال في غير طلب العلم تتضمن محرمات أو تؤدي لها في أحوال كثيرة, فأرجو منكم جوابًا قريبًا سريعًا غير بعيد فيه تفصيل لجوانب المسألة.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فنسأل الله لك التوفيق والسداد، وأن يمنّ عليك بالعلم النافع والعمل الصالح.

واعلم أن التوفيق لطلب العلم نعمة من الله يخص بها من يشاء، فحقها أن تشكر, وأن يُثنى على الله عز وجل بها. وننصحك بالمضي والاجتهاد في طلب العلم, مجاهدًا نفسك في إخلاص النية لله في طلبه، ومستعينًا بالله جل وعلا على تحصيله.

والمقصود من العلم هو العمل به, والتقرب إلى الله تعالى، ومن سمات العلم النافع أن يتغير تعامل الشخص مع والديه بعد طلبه للعلم إلى الأفضل، فيزيده العلم برًّا بوالديه, وإحسانًا إليهما، فحينئذ يستبشر الوالدان بطلب ابنهما للعلم, ويفرحان بازدياده منه، وابذل جهدك في بيان فضل العلم لوالدك بأسلوب حسن ملؤه الأدب وخفض الجناح.

ولتعرض عن هذه الوساوس التي ينزغك بها الشيطان ليصدك عن طلب العلم، واعلم أن الاسترسال معها يؤول بها إلى التمكن من القلب، فتصبح الوسوسة داء يعسر التخلص منه، فلتكف عن الالتفات إلى مثل هذه الوساوس, واستخدامك للنت المملوك لوالدك في طلب العلم لا إشكال في إباحته.

وننصحك بإدامة النظر في كتب آداب طلب العلم، ومن أوعبها كتاب جامع بيان العلم وفضله لحافظ المغرب الإمام ابن عبد البر - رحمه الله -.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني