السؤال
ما حكم مس المصحف بيد مُسَّ بها ما يُستقذر؟ مثلًا: قد آكل وتبقى آثار من ريق على يدي، فهل إن جفّت يدي جاز لي مس المصحف دون غسلها؟ وهل يكفي التجفيف؟ وهل يكفي المسح؟ أم يجب غسل اليد؟ وعند تجفيف الجسم بالمنشفة بعد الاستحمام تمس المنشفة بعض المواضع في الجسم، فهل يجوز إعادة استعمال نفس المنشفة لتجفيف اليد التي يُمس بها المصحف؟ ونفس الأسئلة عن العرق ومس المصحف بيد عليها عرق، علمًا أنني أصبحت أغسل يدي كثيرا، وأجفف يدي كثيرًا بالمناديل الورقية بدل المناشف، وأعلم أن بعض أفعالي من الوسوسة ولكنني لا أعلم الأحكام التي سألت عنها.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقولك: فهل إن جفّت يدي جاز لي مس المصحف دون غسل؟ وكذا مس المصحف بيد عليها عرق ـ مبني على مسألة مس المصحف بالقَذَر، ولا شك في تحريمه، بل إذا دل على الاستهانة كان كفراً، قال الشيخ عليش المالكي في: منح الجليل عند قول خليل: الرِّدَّةُ: كُفْرُ الْمُسْلِمِ بِصَرِيحٍ، أَوْ لَفْظٍ يَقْتَضِيهِ، أَوْ فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ: كَإِلْقَاءِ مُصْحَفٍ بِقَذِرٍ... فِعْلٍ يَتَضَمَّنُهُ أَيْ يَسْتَلْزِمُ الْفِعْلُ الْكُفْرَ اسْتِلْزَامًا بَيِّنًا كَإِلْقَاءِ.. أَيْ رَمْيِ مُصْحَفٍ بِشَيْءٍ قَذِرٍ، أَيْ مُسْتَقْذَرٍ مُسْتَعَافٍ وَلَوْ طَاهِرًا كَبُصَاقٍ وَمِثْلُ إلْقَائِهِ تَلْطِيخُهُ بِهِ أَوْ تَرْكُهُ بِهِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى إزَالَتِهِ، لِأَنَّ الدَّوَامَ كَالِابْتِدَاءِ وَكَالْمُصْحَفِ جُزْؤُهُ.
وقال ابن حجر الهيتمي الشافعي في التحفة: وَالْفِعْلُ الْمُكَفِّرُ مَا تَعَمَّدَهُ اسْتِهْزَاءً صَرِيحًا بِالدِّينِ، أَوْ عِنَادًا لَهُ، أَوْ جُحُودًا لَهُ كَإِلْقَاءِ الْمُصْحَفِ، أَوْ نَحْوِهِ مِمَّا فِيهِ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ، بَلْ أَوْ اسْمٌ مُعَظَّمٌ، أَوْ مِنْ الْحَدِيثِ، قَالَ الرُّويَانِيُّ: أَوْ مِنْ الْعِلْمِ الشَّرْعِيِّ بِقَاذُورَةٍ، أَوْ قَذِرٍ طَاهِرٍ كَمُخَاطٍ وَبُصَاقٍ وَمَنِيٍّ، لِأَنَّ فِيهِ اسْتِخْفَافًا بِالدِّينِ، وَقَضِيَّةُ قَوْلِهِ كَإِلْقَاءِ أَنَّ الْإِلْقَاءَ لَيْسَ بِشَرْطٍ، وَأَنَّ مُمَاسَّةَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ بِقَذِرٍ كُفْرٌ أَيْضًا وَفِي إطْلَاقِهِ نَظَرٌ، وَلَوْ قِيلَ لَابُدَّ مِنْ قَرِينَةٍ تَدُلُّ عَلَى الِاسْتِهْزَاءِ لَمْ يَبْعُدْ ونحو هذا الاستدراك، قال الرملي في نهاية المحتاج، والشرواني في حاشيته.
قال العبادي في حاشيته: قَوْلُهُ: فِي الْقَاذُورَةِ ـ الْمُتَبَادَرُ مِنْ الْقَاذُورَةِ النَّجَاسَةُ، وَيَنْبَغِي أَنَّ كُلَّ مُسْتَقْذَرٍ كَالْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ.
قال ابن مفلح في الفروع: وَيَحْرُمُ مَسُّهُ ـ أي المصحف ـ بِعُضْوٍ نَجَسٍ لَا بِغَيْرِهِ فِي الْأَصَحِّ فِيهِمَا.
ويُؤخذ مما سبق تحريم مس المصحف بما يقذره، ولو طاهراً، كالبصاق، والمخاط، والعرق، ونحوه وأنه إن قصد الاستخفاف كفر، والأمثلة المذكورة هنا كافة كلها في نجس أو قذر يتعدى ـ أي ينتقل إلى المصحف ـ فإن كانت النجاسة أو القذر لا تتعدى، ولا تنتقل إلى المصحف، فالأمر أخف، والأولى اجتنابه، لا سيما في النجس إكراماً للمصحف. والعرق له حكم القذر، ففي الصحيحين عن يحيى بن سعيد: أنه سأل عمرة عن الغسل يوم الجمعة، فقالت: قالت عائشة رضي الله عنها: كان الناس مهنة أنفسهم وكانوا إذا راحوا إلى الجمعة راحوا في هيئتهم، فقيل لهم: لو اغتسلتم.
قال البغا: مهنة أنفسهم ـ خدم أنفسهم ـ هيئتهم على حالتهم من التعرق وغيره، فقيل لهم: الظاهر ـ الذي يدل عليه الحديث السابق ـ أن القائل هو النبي صلى الله عليه وسلم.
ويراجع للفائدة الفتويين رقم: 22717، ورقم: 37516.
وقولك: هل يجوز إعادة استعمال نفس المنشفة لتجفيف اليد التي يُمس بها المصحف ـ لا حرج في ذلك، لأن هذه المواضع ليست نجسة، وإنما فقط مبتلة، وأما غسلك يدك كثيراً: فلا تفعله إلا إذا كان عليها القذر، وقولك: وأعلم أن بعض أفعالي من الوسوسة ـ فاعلم أن الوسوسة داء عضال، وراجع في علاجها الفتوى رقم: 3086.
والله أعلم.