السؤال
سمعت هذا القول المنسوب إلى ابن عطاء الله: لا تترك الذكر لعدم حضورك مع الله فيه, لأن غفلتك عن وجود ذكره أشد من غفلتك في وجود ذكره، فعسى أن يرفعك من ذكر مع وجود غفلة.. إلى ذكر مع وجود يقظة, ومن ذكر مع وجود يقظة إلى ذكر مع وجود حضور, ومن ذكر مع وجود حضور إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور.. وما ذلك على الله بعزيز ـ بحثت لأعرف من هو ابن عطاء الله فوجدت أنه يحسب على الصوفية، وهذا الأمر أقلقني خصوصا لما سمعت من أحد الدعاة المعروفين، والذي يتبعه الكثير من الشباب يقتبس من هذا القول، قرأت عن الصوفية أنهم محدثوا بدع بخصوص زيارات القبور وما إلى ذلك، وهذا الداعية الذي اقتبس القول لم أسمعه قط يدعو إلى بدع ولا يذكرها، وجل ما يدعو إليه هو حب الله وحب النبي صلى الله عليه وسلم والحث على عمل الطاعات ليس فقط لإسقاط الفروض، بل حبا في الله، وما إلى ذلك من المواضيع الأخرى، فما رأيكم في الموضوع؟ وهل يجوز الاقتباس من أقوال الصوفية؟.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالكلام الذي نقلته عن ابن عطاء الله من عدم ترك الذكر ولو مع الغفلة صحيح المعنى، فيرجى للذاكر الأجر ولو لم يتدبر المعنى، وراجع الفتوى رقم: 187149.
وأما قوله: ... إلى ذكر مع غيبة عما سوى المذكور ـ ففي هذا إشارة إلى الفناء الصوفي، وقد تقدم الكلام عليه في الفتوى رقم: 134363، وفيها بيان أنه ليس أعلى المقامات كما يظن المتصوفة.
وأما بخصوص حال ابن عطاء الله: فراجع الفتوى رقم: 57583، ففيها تعريف بحاله.
وأما بالنسبة للصوفية وبدعهم: فراجع الفتوى رقم: 102883، والفتاوى المُشار إليها ثَمَّ.
وأما قولك: وهل يجوز الاقتباس من أقوال الصوفية؟ فللشيخ بكر أبوزيد ـ رحمه الله ـ في حلية طالب العلم كلام مهم تحت عنوان: التلقي عن المبتدع: فيا أيها الطالب! إذا كنت في السعة والاختيار؛ فلا تأخذ عن مبتدع: رافضي، أو خارجي، أو مرجيء، أو قدري، أو قبوري، وهكذا، فإنك لن تبلغ مبلغ الرجال صحيح العقد في الدين، متين الاتصال بالله صحيح النظر، تقفو الأثر، إلا بهجر المبتدعة وبدعهم، وكتب السير والاعتصام بالسنة حافلة بإجهاز أهل السنة على البدعة، ومنابذة المبتدعة، والابتعاد عنهم، كما يبتعد السليم عن الأجرب المريض، ولهم قصص وواقعيات يطول شرحها....
ففي السعة والاختيار، ووجود البدائل الكافية في كلام أهل السنة، فالأصل اجتناب الاقتباس من أهل البدع، لأنه نوع دعمِ لهم، وأما ما لا يوجد إلا لديهم، فيجوز نقله، كما ينقل الأئمة كالشنقيطي دائماً عن الزمخشري مع تحرقه في الاعتزال لسبقه في البلاغة ونحوها سبقاً بعيداً، وكذا لم يزل الأئمة ينقلون عن بعض المتصوفة في علوم التجويد والقراءات، ولا يعني هذا أننا لا نقبل الحق من المبتدع، بل نقبله لكونه حقا، ولما دل الشيطان أبا هريرة ـ رضي الله عنه ـ إلى آية الكرسي لتكون له حرزاً من الشيطان، وذلك مقابل فكه من الأسر، قال له النبي صلى الله عليه وسلم: صدقك وهو كذوب ـ رواه البخاري.
وكان معاذ بن جبل ـ رضي الله عنه ـ يقول:... وأحذّركم زيغة الحكيم، فإنّ الشيطان قد يقول كلمة الضلالة على لسان الحكيم، وقد يقول المنافق كلمة الحق، قال قلت لمعاذ: ما يدريني ـ رحمك الله ـ أنّ الحكيم قد يقول كلمة الضلالة، وأنّ المنافق قد يقول كلمة الحق؟ قال: بلى اجتنب من كلام الحكيم المشتهرات التي يقال لها ما هذه ولا يثنيك ذلك عنه فإنّه لعله أن يراجع، وتلقّ الحقّ إذا سمعته فإنّ على الحق نوراً. وقال الألباني: صحيح الإسناد موقوف.
ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وليس كل من ذكرنا شيئاً من قوله ـ من المتكلمين وغيرهم ـ يقول بجميع ما نقوله في هذا الباب وغيره، ولكن الحق يقبل من كل من تكلم به.
ويراجع للفائدة الفتوى رقم: 138847، وتوابعها.
والله أعلم.