السؤال
تطلب مني صديقتي بطاقة سيم كارد لتستعملها في الإنترنت فقط, أو من أجل الفيس بوك؛ لكي تتحدث مع معارفها من الشباب والشابات حديث مزاح وترفيه عن النفس ليس غير, وهي فتاة ذات خلق, وليست ممن يستعملون الإنترنت للفساد, ولكني أخاف أن آثم, وإن لم أعطها فلن تتقبل ذلك بوجه حسن, وربما أفقد صداقتها, وضميري لن يدعني وشأني, لذلك - كما بالنسبة للعديد من الأمور - لا أتخذ قرارًا يرضيني أو يرضي الناس, وهذا يجعل العديد ينفر مني, وهذا الأمر يقلقني جدًّا, ويعرقلني عن مواصلة حياتي وأشغالي بصفة سليمة أو عادية, فأنا أحمِّل نفسي الذنب تقريبًا في كل الأمور, وأعيش في صراع دائم مع نفسي, وهذا الأمر أرهقني كثيرًا, كما يجعل الناس تنفر من حولي, فما العمل؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن المحادثة بين الفتيان والفتيات باب فتنة وفساد, وقد بينا خطورة ذلك في الفتوى رقم: 145575, وما أحيل عليه فيها, كما بينا عدم جواز مزاح الفتيان مع الفتيات في الفتوى رقم: 51603، والفتوى رقم: 93537.
كما قد سبق بيان تحريم إقامة صداقة بين الفتيان والفتيات في الفتوى رقم: 133233، والفتوى رقم: 1072.
وبناء على ما سبق نفيدك أولًا أنه لا يجوز لك إقامة صداقة مع فتاة، وقد ذكرنا ذلك بناء على أن بيانات السؤال تفيد أن السائل ذكر, كما لا يجوز لك إعطاء البطاقة المذكورة لتلك الفتاة؛ لما في ذلك من إعانتها على أمور غير جائزة, والله تعالى يقول: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة:2}, والإنسان مخلوق في هذه الدنيا لعبادة الله, قال تعالى: وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ {الذاريات:56}، وقال سبحانه: قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ {الأنعام:162-163}، فغاية المسلم هي رضا الله عز وجل، فهو يتعبد لله سبحانه بجعل أفعاله كلها خالصة لوجهه جل وعلا، وموافقة لشرعه، مستعينًا بالله على ذلك، ولا يخشى فيه لومة لائم, وقد قال صلى الله عليه وسلم: من التمس رضا الله بسخط الناس كفاه الله مؤنة الناس, ومن التمس رضا الناس بسخط الله وكله الله إلى الناس. رواه الترمذي، وصححه الألباني.
فلا يكن إرضاء الناس أعظم في قلبك من إرضاء ربك, واعلم أنه لا يستطيع أحد من الخلق أن يحول بينك وبين خير قدره الله لك، كما لا يستطيعون دفع مكروه قدره الله عليك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفت الصحف. رواه الترمذي.
فشأن الناس أهون مما تقدر, لكن ذلك في حق من وكل أمره إلى ربه, وأحسن في علاقته به, فقد قال هود لقومه: إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنْظِرُونِ* إِنِّي تَوَكَّلْتُ عَلَى اللَّهِ رَبِّي وَرَبِّكُمْ مَا مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِنَاصِيَتِهَا إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ {هود:54-55-56}.
فاتق الله تعالى, ولا تعن آثمًا على إثمه, واعلم أنك مهما كنت مع الله فلن يضيعك, فقد قال سبحانه: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللَّهَ بَالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللَّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْرًا {الطلاق:2-3}, وفقنا الله وإياك لما يحب ويرضى.
والله أعلم.