الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

الحكمة من ترك البسملة أول سورة براءة.

السؤال

 ما هي الحكمة من أن سورة التوبة تقرأ بدون أن تسبق بالبسملة، دون كل سور القرآن الكريم؟

الإجابــة

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على رسوله الأمين وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد:

فالحكمة التي من أجلها لم تفتتح سورة التوبة بالبسملة، ذكروا فيها أقوالا، إلا أن أشهرها قولان: الأول: أن الصحابة تركوا البسملة أول سورة براءة؛ لأنهم ظنوا أنها وسورة الأنفال سورة واحدة. فقد روى الإمام أحمد في المسند، والترمذي في سننه -وقال الضياء المقدسي في المختارة: إسناده لا بأس به-: عن ابن عباس، قال: قلت لعثمان -رضي الله عنه-: ما حملكم على أن عمدتم إلى سورة الأنفال وهي من المثاني، وإلى سورة براءة وهي من المئين، فقرنتم بينهما، ولم تكتبوا بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، فوضعتموها في السبع الطوال. فما حملكم على ذلك؟

قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يأتي عليه الزمان، وهو ينزل عليه من السور ذوات العدد، فكان إذا أنزل عليه الشيء دعا بعض من يكتب له، فيقول: ضعوا هذه في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. وإذا أنزلت عليه الآيات قال: ضعوا هذه الآيات في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. وإذا أنزلت عليه الآية قال: ضعوا هذه الآية في السورة التي يذكر فيها كذا وكذا. وكانت سورة الأنفال من أوائل ما نزل بالمدينة، وكانت سورة براءة من أواخر ما أنزل من القرآن. قال: فكانت قصتها شبيهاً بقصتها، فظننا أنها منها. وقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يبين لنا أنها منها. فمن أجل ذلك قرنت بينهما، ولم أكتب بينهما سطر بسم الله الرحمن الرحيم، ووضعتها في السبع الطوال.

قال المباركفوري في تحفة الأحوذي: (وَكَانَتْ قِصَّتُهَا) أَيِ الْأَنْفَالِ (شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا) أَيْ بَرَاءَةٍ وَيَجُوزُ الْعَكْسُ. وَوَجْهُ كَوْنِ قِصَّتِهَا شَبِيهَةً بِقِصَّتِهَا أَنَّ فِي الْأَنْفَالِ ذِكْرُ الْعُهُودِ، وَفِي بَرَاءَةٍ نَبْذُهَا فَضُمَّتْ إِلَيْهَا (فَظَنَنْتَ أَنَّهَا) أَيِ التَّوْبَةَ (مِنْهَا) أَيِ الْأَنْفَالِ. وَكَأَنَّ هَذَا مُسْتَنَدُ مَنْ قَالَ إِنَّهُمَا سُورَةٌ وَاحِدَةٌ. وَهُوَ ما أخرجه أبو الشيخ عن دوق، وأبو يعلى عن مجاهد، وابن أبي حاتم عن سفيان وبن لَهِيعَةَ: كَانُوا يَقُولُونَ إِنَّ بَرَاءَةٌ مِنَ الْأَنْفَالِ، وَلِهَذَا لَمْ تُكْتَبِ الْبَسْمَلَةُ بَيْنَهُمَا مَعَ اشْتِبَاهِ طرقهما انتهى.

والقول الثاني: إن سبب عدم افتتاح سورة التوبة بالبسملة، كونها نزلت بالقتال بالسيف والبسملة تتنافى مع ذلك، ففيها الرحمة لاشتمالها على اسمي الله تعالى الرحمن الرحيم وهما اسمان كريمان يدلان على الرحمة.

وأشار الشاطبي في حرز الأماني إلى هذا المعنى، فقال:

ومهما تصلها أو بدأت براءة لتنزيلها بالسيف لست مبسملا

وقال القرطبي في تفسيره: قال عبد الله بن عباس: سألت علي بن أبي طالب: لم لم يكتب في براءة بسم الله الرحمن الرحيم؟ قال: لأن بسم الله الرحمن الرحيم أمان، فلا يتناسبان. وبراءة نزلت بالسيف ليس فيها أمان.

وروي معناه عن المبرد، قال: ولذلك لم يجمع بينهما، فإن بسم الله الرحمن الرحيم رحمة، وبراءة نزلت سخطة. ومثله عن سفيان. قال سفيان بن عيينة: إنما لم تكتب في صدر هذه السورة بسم الله الرحمن الرحيم؛ لأن التسمية رحمة، والرحمة أمان. وهذه السورة نزلت في المنافقين وبالسيف، ولا أمان للمنافقين. انتهى.

وللمزيد انظر الفتوى: 44983

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني