الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

ضوابط استعمال قاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين

السؤال

ما هي ضوابط وشروط استعمال قاعدة ارتكاب أدنى المفسدتين؟ فمن الناس من يتهاون في فعل الصغائر بحجة تجنب ضرر أكبر؟ وهل يمكن لعامة الناس استعمال هذه القاعدة؟ أم هي للعلماء فقط؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالقاعدة صحيحة معتبرة، قال العز بن عبد السلام في قواعد الأحكام: إذَا اجْتَمَعَتْ مَصَالِحُ وَمَفَاسِدُ فَإِنْ أَمْكَنَ تَحْصِيلُ الْمَصَالِحِ وَدَرْءُ الْمَفَاسِدِ فَعَلْنَا ذَلِكَ امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِمَا لِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى: فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ {التغابن: 16} وَإِنْ تَعَذَّرَ الدَّرْءُ وَالتَّحْصِيلُ فَإِنْ كَانَتْ الْمَفْسَدَةُ أَعْظَمَ مِنْ الْمَصْلَحَةِ دَرَأْنَا الْمَفْسَدَةَ وَلَا نُبَالِي بِفَوَاتِ الْمَصْلَحَةِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا {البقرة: 219} حَرَّمَهُمَا، لِأَنَّ مَفْسَدَتَهُمَا أَكْبَرُ مِنْ مَنْفَعَتِهِمَا، أَمَّا مَنْفَعَةُ الْخَمْرِ فَبِالتِّجَارَةِ وَنَحْوِهَا، وَأَمَّا مَنْفَعَةُ الْمَيْسِرِ فَبِمَا يَأْخُذُهُ الْقَامِرُ مِنْ الْمَقْمُورِ، وَأَمَّا مَفْسَدَةُ الْخَمْرِ فَبِإِزَالَتِهَا الْعُقُولَ، وَمَا تُحْدِثُهُ مِنْ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ، وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا مَفْسَدَةُ الْقِمَارِ فَبِإِيقَاعِ الْعَدَاوَةِ وَالْبَغْضَاءِ وَالصَّدِّ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلَاةِ، وَهَذِهِ مَفَاسِدُ عَظِيمَةٌ لَا نِسْبَةَ إلَى الْمَنَافِعِ الْمَذْكُورَةِ إلَيْهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَصْلَحَةُ أَعْظَمَ مِنْ الْمَفْسَدَةِ حَصَّلْنَا الْمَصْلَحَةَ مَعَ الْتِزَامِ الْمَفْسَدَةِ، وَإِنْ اسْتَوَتْ الْمَصَالِحُ وَالْمَفَاسِدُ فَقَدْ يُتَخَيَّرُ بَيْنَهُمَا وَقَدْ يُتَوَقَّفُ فِيهِمَا، وَقَدْ يَقَعُ الِاخْتِلَافُ فِي تَفَاوُتِ الْمَفَاسِدِ.

وأما الشروط: فقد ذكر البعض شروط الاعتبار بالمصالح المرسلة ـ وهي جزء من مسألتنا ـ جاء في شرح تيسير الوصول إلى قواعد الأصول ومعاقد الفصول لعبد المؤمن البغدادي الحنبلي بشرح عبد الله بن صالح الفوزان: وقد ذكر المالكية ـ وهم أكثر الفقهاء أخذاً بالمصالح ـ شروطاً وضوابط للاحتجاج بالمصلحة المرسلة، وهذه الشروط هي:
1ـ أن تكون المصلحة ملائمة لمقاصد الشرع، فلا تخالف أصلاً من أصوله، ولا تنافي دليلاً من أدلة أحكامه، بل تكون من جنس المصالح التي قصد الشارع تحصيلها، فلا يترك تحديد ما هو مصلحة أو مفسدة للبشر، لقصورهم عن ذلك.
2ـ أن تكون معقولة في ذاتها تتلقاها العقول السليمة بالقبول، لكونها جرت على الأوصاف المناسبة المعقولة.
3ـ أن يكون الأخذ بها لحفظ ضروري، كحفظ الدين والأنفس والأموال، أو لرفع حرج، لأن الله تعالى يقول: وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ {الحج: 78}.

وهذه شروط معقولة تجعل الأخذ بهذا الأصل من الأصول صحيحاً، لا يخضع لأحكام الأهواء والشهوات باسم المصالح. انتهى.

وراجع الفتوى رقم: 55679.

وقال الشاطبي: وَلَقَد علم من التجارب والعادات أَن الْمصَالح الدِّينِيَّة والدنيوية لَا تحصل مَعَ الاسترسال فِي اتِّبَاع الْهوى وَالْمَشْي مَعَ الْأَغْرَاض، لما يلْزم ذَلِك من التهارج والتقاتل والهلاك الَّذِي هُوَ مضاد تِلْكَ الْمصَالح.

وبالتالي، لا يُترك للعامة تحديد المصالح الشرعية، وإن كان كل عاقل في يومه يستعمل هذه القاعدة، ولكن ليس كل أحد يمكنه إدراك المصالح الشرعية من غيرها، وقد بينا في الفتوى رقم: 148105، أن استنباط الأحكام من القواعد لا يتأتى لكل أحد فراجعها.

وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 175355، 156013، 147607، 137853، 133376، 113119، فقد بينا بها صوراً من تطبيق هذه القاعدة.

وأما ارتكاب الصغائر بدعوى تجنب ضرر أكبر، فنحتاج في قياس الضرر إلى الشرع لا إلى الهوى، فلا يجوز مثلا ارتكاب الاستمناء بدعوى تحصين الفرج، لكن قال العلماء إن وصل به الحال إلى أن يزني أو يستمني استمنى، لأنه أخف ضرراً وراجع الفتوى رقم: 2720.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني