السؤال
شد انتباهي حديث رُوِيَ عن رسولنا الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام من رب العالمين.
نص الحديث ما يلي: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من قال: سبحان الله وبحمده في يوم مائة مرة، حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر.
ما أجمل هذا الكلام!!
حسناً.
سؤالي فقهي ومنطقي: لو اكتفيت بقول: ((سبحان الله وبحمده. عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته)) مرة واحدة فقط!!
لفقت المئة المرة أضعافا مضاعفة!! فعدد خلق ربي لا يحصيه إلا هو تبارك وتعالى، وقس على ذلك ما تبقى.
سؤال: هل يكفيني قول ذلك ؟ وفي حال قلت سبحان الله وبحمده مئة مرة كلفظٍ واحد وليس تكراراً. هل تكفي أيضاً ؟
ننتظر من سماحتكم الرد على هذا السؤال. وأيضاً التعقيب على الموضوع إجمالاً.
وجزاكم الله خيراً.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد سبق أن أشرنا إلى أن الأصل في مقدار ثواب الأذكار التوقف حتى يثبت الدليل، وذلك في الفتوى رقم: 80963. وذكرنا فيها حديث أم المؤمنين جويرية- رضي الله عنها-وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم لها: لقد قلت بعدك أربع كلمات ثلاث مرات، لو وزنت بما قلت منذ اليوم لوزنتهن: سبحان الله وبحمده عدد خلقه، ورضا نفسه، وزنة عرشه، ومداد كلماته. رواه مسلم.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: معناه أنه سبحانه يستحق التسبيح بعدد ذلك، كقوله صلى الله عليه وسلم: "ربنا ولك الحمد، ملء السموات، وملء الأرض، وملء ما بينهما، وملء ما شئت من شيء بعد" ليس المراد أنه سبح تسبيحا بقدر ذلك. فالمقدار تارة يكون وصفا لفعل العبد، وفعله محصور. وتارة يكون لما يستحقه الرب، فذاك الذي يعظم قدره؛ وإلا فلو قال المصلي في صلاته: سبحان الله عدد خلقه. لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة. ولما شرع النبي صلى الله عليه وسلم أن يسبح دبر كل صلاة ثلاثا وثلاثين، ويحمد ثلاثا وثلاثين، ويكبر ثلاثا وثلاثين. فلو قال: سبحان الله، والحمد لله، والله أكبر، عدد خلقه. لم يكن قد سبح إلا مرة واحدة. اهـ.
وفي هذا إشارة إلى أن الفضائل المرتبة على عدد مقصود من الأذكار لا تحصل إلا بهذا العدد.
وقد نقل ابن علان في: (الفتوحات الربانية 1/195) عن الشيخ أحمد بن عبد العزيز النويري قوله: قد يكون العمل القليل أفضل من العمل الكثير: كقصر الصلاة في السفر أفضل من الإتمام مع كون الإتمام أكثر عملا، لكن لو نذر إنسان أن يقول: سبحان الله وبحمده، عشر مرات، فقال: سبحان الله عدد خلقه، مرة واحدة، فإنه لا يخرج عن عهدة نذره؛ لأن العدد هنا مقصود. وقد صرح إمام الحرمين أنه لو نذر أن يصلي ألف صلاة، لا يخرج من عهدة نذره بصلاة واحدة في الحرم المكي وإن كانت تعدلها من حيث الثواب، ومثله ما في معناه من الأخبار، كخبر "سورة الإخلاص تعدل ثلث القرآن" .. اهـ. يعني أنه إن نذر قراءة القرآن كله فلا يخرج من عهدة نذره بقراءة سورة الإخلاص ثلاث مرات.
والحاصل أن فضيلة المغفرة المذكورة في قول النبي صلى الله عليه وسلم: من قال: سبحان الله وبحمده، في يوم مائة مرة حطت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر. رواه البخاري ومسلم. أنها مرتبطة بهذا العدد المذكور ـ مائة مرة ـ وهذا لا يتحقق في قول الذاكر: عدد خلقه !
وهنا ننبه على أمرين:
ـ الأول: أن الذكر المضاعف وإن كان أعظم أجرا، فإن ذلك لا يعني أنه أفضل من تكرار الذكر مطلقا، فقد يحصل بسبب هذا التكرار من معاني الإيمان في القلب ما لا يحصل بغيره. قال الدهلوي في (حجة الله البالغة): سر حديث جويرية أن صورة العمل إذا استقرت في الصحيفة كان انفساحها، وانشراحها عند الجزاء حسب معنى تلك الكلمة، فإن كانت فيه كلمة مثل "عدد خلقه" كان انفساحها مثل ذلك. واعلم أن من كان أكثر ميله إلى تلون النفس بلون معنى الذكر فالمناسب في حقه إكثار الذكر، ومن كان أكثر ميله إلى محافظة صورة العمل في الصحيفة وظهورها يوم الجزاء، فالأنفع في حقه اختيار ذكر رابٍ على الأذكار بالكيفية. وليس لأحد أن يقول: إذا كانت هذه الكلمات ثلاث مرات أفضل من سائر الأذكار يكون الاعتناء بكثرة الأذكار واستيعاب الأوقات فيها ضائعا؛ لأن الفضل إنما هو باعتبار دون اعتبار .. اهـ.
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: الأجر على قدر منفعة العمل ومصلحته وفائدته، وعلى قدر طاعة أمر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فأي العملين كان أحسن، وصاحبه أطوع وأتبع كان أفضل. فإن الأعمال لا تتفاضل بالكثرة. وإنما تتفاضل بما يحصل في القلوب حال العمل. اهـ.
ـ والأمر الثاني: أن مثل هذه الفضائل قد تكون لأناس مخصوصين، أو لمن تلبس بحال مخصوصة أثناء الذكر، من حضور القلب والتدبر لما في الأذكار من معاني الإيمان والتوحيد.
قال ابن بطال في (شرح صحيح البخاري): قال بعض الناس: هذه الفضائل التى جاءت عن النبى صلى الله عليه وسلم: "من قال سبحان الله وبحمده مائة مرة غفر له" وما شاكلها، إنما هي لأهل الشرف في الدين والكمال، والطهارة من الجرائم العظام، ولا يظن أن من فعل هذا وأصر على ما شاء من شهواته، وانتهك دين الله وحرماته أنه يلحق بالسابقين المطهرين، وينال منزلتهم في ذلك بحكاية أحرف ليس معها تقى ولا إخلاص ولا عمل، ما أظلمه لنفسه من يتأول دين الله على هواه. اهـ.
ونقل ذلك ابن حجر في (فتح الباري) ثم قال: ويشهد له قوله تعالى: {أم حسب الذين اجترحوا السيئات أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون}. اهـ.
والله أعلم.