الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم الزواج بثانية وطلاق الأولى سواء اشترطت الثانية ذلك أم لا

السؤال

شيخنا الفاضل: ما حكم تفكير شخص مدة طويلة في الطلاق لعدة أسباب: منها الراحة النفسية في البيت، وتعذر حصول التحصين من الزواج, والخوف من الوقوع في ما حرم الله، وأسباب أخرى لا يكفي المقام لذكرها، وقد تعرف إلى فتاة وأخبرها أنه يريد أن يتعرف إليها أكثر عن طريق أهلها، علمًا أنه لم يخبرها أنه متزوج, ويغلب على ظنه أنها إذا علمت أنه متزوج، فلم ولن تقبل بذلك، وهما من بلاد تمنع التعدد، وهو الآن في حيرة من أمره؛ لأنه تسرع في التعرف إلى الثانية قبل أن ينهي مشاكله مع الأولى، ولم يخبر الثانية لخشيته أن تشترط عليه طلاق الأولى, فيأتي في نفسه شيء أنه لو تزوج الثانية ربما يكون العقد غير صحيح؛ لأنه بني على باطل, وكانت هذه الثانية سببًا في إفساد هذا الرجل على زوجته؛ لأنني قرأت في عدة مواقع أن العلماء يرون عدم صحة عقد نكاح الرجل الذي يخبب المرأة على زوجها لكي يتزوجها هو, فهل يمكن قياس حالتي على هذا إذا تزوجت الثانية؟ علمًا أنني أفكر في الطلاق منذ زمن - أي قبل التعرف إلى هذه الفتاة -؟ وإنما زاد تفكيري في أمر الطلاق بعد التعرف إليها، وأخاف أن أصارح الثانية بذلك, فيكون لها ردان لا ثالث لهما: إما عدم القبول, أو اشتراط الطلاق؛ لذلك أتحاشى التصريح لها بذلك؛ لأنني لا أريد أن تكون زوجتي المستقبلية شرّيرة، رضيت أو اشترطت الطلاق حتى تأخذ مكان الأولى, وربما يكون العقد بذلك غير صحيح ـ لا قدر الله ـ وقد قلت للثانية: سوف أحدثك عن نفسي أكثر بعدما أستخير الله سبحانه وتعالى، وأنا الآن في حيرة من أمري، وقد صليت الاستخارة, ودعوت الله أنه إذا كان استبدال زوجتي بأخرى، وسميت الثانية، خير لي في ديني، ومعاشي، وعاقبة أمري.. إلخ وذلك بصيغة صلاة الاستخارة المعروفة في صحيح السنة، وأريد أن أصلي أكثر، وألحّ على الله سبحانه وتعالى أن يلهمني رشدي، علمًا أنني لست من الذين يتسرعون في أمور الطلاق، وأعلم أن الطلاق حرام وقت الحيض، أو في طهر جامع فيه الرجل زوجته، وأنه يقع عند جمهور العلماء إذا تلفظ به الرجل في هذه الحالات، أو غيرها، فأنا - بارك الله في علمكم - جامعت أهلي في هذا الطهر، وأريد أن أستخير الله أكثر، علمًا بأن زوجتي لا تعلم بالموضوع، ولا أريد أن أكون ظالمًا، ولا أريد أن أبني علاقة على باطل؛ لذلك قررت أن أقطع العلاقة مع الثانية حتى أرى إلى ماذا تصير الأمور، فإذا صارحت الثانية بالحقيقة, وقلت لها مثلًا إنني أفكر في الطلاق, ولا أعلم هل أطلق أم لا, ورضيت فهل يكون العقد بذلك غير صحيح؟ أم أنني أبالغ نوعًا ما؟ واعتذرت لها على تسرّعي في طرح الموضوع, وقلت لها: إن لدي بعض الأسرار ـ أقصد بذلك أنني متزوج ـ لا أستطيع أن أكشف عنها في هذه المدّة، وإنما أمهليني بعض الوقت لأستخير الله أكثر، فشكّت في أنني أخفي عنها شيئًا، فهل في صورة ما وقع الطلاق؟ وهل عليّ أن أنتظر وألّا أخبر الثانية حتى انقضاء العدة؛ حتى لا يقع في قلبها رضا بما حصل, فيفسد - لا قدر الله - العقد عليها في حالة أنني عزمت على الزواج منها؟ أم أنني أستطيع أن أخبرها أنني كنت متزوجًا قبل انقضاء العدة؟ علمًا أن زوجتي الأولى ترفض أن أتزوج عليها, وقالت لي بصريح العبارة: إن كنت أريد الزواج بثانية فإن عليّ أن أطلقها، وكما تقدم فإن التعدد في حالتنا غير ممكن لعدة أسباب, منها القانونية، وفي الأخير: أرجو منكم المعذرة على الإطالة.

الإجابــة

الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله, وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالتعارف بين الرجال والنساء الأجنبيات ـ ولو كان بغرض الزواج ـ باب فتنة وذريعة فساد، وإنما ينبغي على من أراد خطبة امرأة أن يأتي البيوت من أبوابها, فيخطبها من وليها، فإن أجابه فبها ونعمت، وإن قوبل بالرفض انصرف عنها إلى غيرها, وانظر الفتوى رقم: 1769.

وعليه، فالواجب عليك أن تقطع علاقتك بتلك الفتاة، وإذا عزمت على زواجها فلتتقدم إلى أوليائها، وإذا أخبرتها بزواجك الأول، فالراجح أنه لا يجوز لها اشتراط تطليقها، وأنه شرط باطل، لكن العقد لا يبطل بذلك، جاء في الدرر السنية في الأجوبة النجدية: إذا شرطت عند العقد طلاق ضرتها، فهذا الشرط اختلف العلماء فيه: هل هو صحيح أم فاسد؟ فذهب الحنابلة إلى صحته، فعندهم يجب الوفاء به، أو خيار الفسخ له إذا لم يف، وذهب كثير من الفقهاء إلى أنه شرط باطل للأحاديث الصحيحة في النهي عن ذلك، والنهي يقتضي الفساد، وعلى هذا، يبطل الشرط ويصح النكاح؛ لأن هذا ليس من الشروط المبطلة للعقد.

وبهذا يعلم السائل أن العقد صحيح على كل حال، وإذا كنت لا تقدر على الجمع بين زوجتين, وتحتاج للزواج، فلا حرج عليك في طلاق الأولى، فإن الطلاق مباح للحاجة، قال ابن قدامة عند كلامه على أقسام الطلاق: والثالث: مباح, وهو عند الحاجة إليه لسوء خلق المرأة, وسوء عشرتها, والتضرر بها من غير حصول الغرض بها.

لكن الذي ننصحك به ألا تتعجل في طلاق زوجتك، واعلم أن محافظة الزوج على حدود الله، وحرصه على غض بصره عن الحرام من أهم أسباب قناعة الزوج بزوجته، كما أن إطلاق البصر في المحرمات, والتهاون في الكلام مع النساء الأجنبيات, ونحو ذلك، يزهّد الزوج في زوجته, ولو كانت أجمل نساء الأرض، ويفتح الأبواب للشيطان ليزين له الافتتان بغيرها, والنفور منها، كما أن حصول المودة والتفاهم بين الزوجين يحتاج إلى الصبر, وإلى التجاوز عن بعض الأخطاء, والتغاضي عن الزلات والهفوات, والنظر إلى الجوانب الطيبة في أخلاق الطرف الآخر، فعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ يَفْرَكْ مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً، إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا رَضِي مِنْهَا آخَرَ. صحيح مسلم.

قال النووي - رحمه الله -: أَيْ: يَنْبَغِي أَنْ لَا يُبْغِضَهَا؛ لِأَنَّهُ إِنْ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا يُكْرَهُ وَجَدَ فِيهَا خُلُقًا مَرْضِيًّا, بِأَنْ تَكُونَ شَرِسَةَ الْخُلُقِ لَكِنَّهَا دَيِّنَةٌ, أَوْ جَمِيلَةٌ, أَوْ عَفِيفَةٌ, أَوْ رَفِيقَةٌ بِهِ، أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ. اهـ.

وقد يندفع الإنسان وراء رغبة عارضة, ثم يندم, ولا يحصل مراده، قال ابن الجوزي ـ رحمه الله ـ في كتاب صيد الخاطر: أكثر شهوات الحس النساء, وقد يرى الإنسان امرأة في ثيابها، فيتخايل له أنها أحسن من زوجته، أو يتصور بفكره المستحسنات، وفكره لا ينظر إلا إلى الحسن من المرأة، فيسعى في التزوج والتسري، فإذا حصل له مراده، لم يزل ينظر في العيوب الحاصلة، التي ما كان يتفكر فيها، فيملّ، ويطلب شيئًا آخر، ولا يدري أن حصول أغراضه في الظاهر ربما اشتمل على محن، منها أن تكون الثانية لا دين لها، أو لا عقل، أو لا محبة لها، أو لا تدبير، فيفوت أكثر مما حصل.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني