السؤال
سؤال لفضيلتكم عن دلالة تحقق الرؤيا للمسلم، حيث رأيت رؤيتين مؤخراً، إحداهما كانت كأنها رسالة لي من الله لأبحث في حال أحد أقربائي الذي كان قد وقع في محرمات، ولي عليه ولاية وأقوم بواجبي بنصحه وإصلاحه، وقد رأيت ذلك في المنام وعلمت بعد البحث أن هذا حق وأنه علي شيء من المحرمات ثم كان الأمر مع أخ آخر، حيث حلمت قبل الفجر أنه حلق لحيته وفوجئت بعدها به يخبرني أنه سيضطر لحلاقتها لما يتعلق بالخدمة العسكرية، وسؤالي: هل صدق الرؤيا متعلقة بصلاح أحوال العبد أو فساده؟ أم أنها تحصل مع كل أحد.. البر والفاجر، الصالح والطالح، المسلم والكافر؟.
أحسن الله إليكم.
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن استقامة العبد وصلاحه وصدق حديثه له أثر في صدق الرؤيا، وقد روى مسلم في صحيحه عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ـ رضي الله عنه ـ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِذَا اقْتَرَبَ الزَّمَانُ لَمْ تَكَدْ رُؤْيَا الْمُسْلِمِ تَكْذِبُ، وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا. الحديث.
قال النووي ـ رحمه الله ـ في شرح مسلم: غَيْرَ الصَّادِقِ فِي حَدِيثِهِ يَتَطَرَّقُ الْخَلَلُ إِلَى رُؤْيَاهُ وَحِكَايَتِهِ إِيَّاهَا. انتهى.
وفي شرح الموطأ للزرقاني عند حديث أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ مِنْ الرَّجُلِ الصَّالِحِ جُزْءٌ مِنْ سِتَّةٍ وَأَرْبَعِينَ جُزْءًا مِنْ النُّبُوَّةِ ـ قال رحمه الله: الرُّؤْيَا الْحَسَنَةُ، أَيِ الصَّادِقَةُ، أَوِ الْمُبَشِّرَةُ احْتِمَالَانِ لِلْبَاجِيِّ مِنَ الرَّجُلِ الصَّالِحِ، وَكَذَا الْمَرْأَةُ الصَّالِحَةُ اتِّفَاقًا، حَكَاهُ ابْنُ بَطَّالٍ، وَالْمُرَادُ غَالِبُ رُؤْيَا الصَّالِحِينَ، وَإِلَّا فَالصَّالِحُ قَدْ يَرَى الْأَضْغَاثَ، وَلَكِنَّهُ نَادِرٌ لِقِلَّةِ تَمَكُّنِ الشَّيْطَانِ مِنْهُمْ. انتهى.
فرؤيا الصالحين الغالب فيها أن تكون صادقة، كما أن الغالب في رؤيا المسلم الفاسق فضلا عن الكافر أنها غير صادقة وقد تصدق في بعض الأحيان، فقد قال الزرقاني عند شرح الحديث السابق: فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا كَانَتْ جُزْءًا مِنَ النُّبُوَّةِ، فَكَيْفَ يَكُونُ لِلْكَافِرِ مِنْهَا نَصِيبٌ كَرُؤْيَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ مَعَ يُوسُفَ، وَرُؤْيَا مَلِكِهِمْ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ ذُكِرَ أَنَّ جَالِينُوسَ عَرَضَ لَهُ وَرَمٌ فِي الْمَحَلِّ الَّذِي يَتَّصِلُ مِنْهُ بِالْحِجَابِ، فَأَمَرَهُ اللَّهُ فِي الْمَنَامِ بِفَصْدِ الْعِرْقِ الضَّارِبِ مِنْ كَفِّهِ الْيُسْرَى فَبَرَأَ، بِأَنَّ الْكَافِرَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحَلًّا لَهَا، فَلَا يَمْتَنِعُ أَنْ يَرَى مَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِخَيْرِ دُنْيَاهُ، كَمَا أَنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا، ثُمَّ لَا يَمْتَنِعُ رُؤْيَتُهُ مَا يَعُودُ عَلَيْهِ بِخَيْرٍ دُنْيَوِيٍّ، فَإِنَّ النَّاسَ فِي الرُّؤْيَا ثَلَاثُ دَرَجَاتٍ: الْأَنْبِيَاءُ وَرُؤْيَاهُمْ كُلُّهَا صِدْقٌ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ، وَالصَّالِحُونَ: وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ، وَقَدْ يَقَعُ فِيهَا مَا لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَعْبِيرٍ، وَمَا عَدَاهُمْ: يَقَعُ فِي رُؤْيَاهُمُ الصِّدْقُ، وَالْأَضْغَاثُ، وَهُمْ ثَلَاثَةٌ: مَسْتُورُونَ، فَالْغَالِبُ اسْتِوَاءُ الْحَالِ فِي حَقِّهِمْ، وَفَسَقَةٌ: وَالْغَالِبُ عَلَى رُؤْيَاهُمُ الْأَضْغَاثُ وَيَقِلُّ فِيهَا الصِّدْقُ، وَكُفَّارٌ: وَيَنْدُرُ فِيهَا الصِّدْقُ جِدًّا، وَيُرْشِدُ لِذَلِكَ خَبَرُ مُسْلِمٍ مَرْفُوعًا: وَأَصْدَقُكُمْ رُؤْيَا أَصْدَقُكُمْ حَدِيثًا. انتهى.
وللفائدة يرجى مراجعة الفتاوى التالية أرقامها: 9156، 19059، 170253، 140727.
والله أعلم.