السؤال
أنا طالب جامعي، وحين دخلت الجامعة كنت طالبًا مجتهدًا، وحققت نتائج جيدة، ولكن بعد فترة قصيرة تراجعت دراستي؛ وذلك تأثرًا برفاقي الذين كانوا من مناطق منكوبة، وتركوا الدراسة، وبعد سنة عادوا إلى الدراسة رغم أوضاعهم الصعبة، وقالوا: إن الدراسة أمر مهم مهما حدث، لكن المشكلة أنني تغيرت، ولا أستطيع أبدًا العودة إلى المستوى الذي كنت عليه؛ فقد رسبت، وأشعر بعدم الرغبة في الدراسة، وأضيع الكثير من وقتي دون فائدة، وأحيانًا أقضي وقتًا كثيرًا في قراءة الفتاوى في موقعكم، وأهلي ينتقدونني كثيرًا لتقصيري، وغير راضين عن وضعي، فهل أنا مذنب الآن لتقصيري في دراستي دون مبرر؟ وماذا علي أن أفعل - جزاكم الله كل خير -؟
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فاعلم أن تقصيرك في دراستك وتراجع مستواك دون مبرر لذلك، هو أمر غير مرضي، وتلام عليه طالما لم تكن مغلوبًا على أمرك، فقد روى أحمد، وأبو داود من حديث عوف بن مالك أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يلوم على العجز، ولكن عليك بالكيس، فإذا غلبك أمر فقل: حسبي الله ونعم الوكيل. والحديث سكت عنه أبو داود، وحسنه ابن حجر، وصححه أحمد شاكر، وضعفه الألباني.
جاء في عون المعبود: يَلُوم عَلَى الْعَجْز ـ أَيْ: عَلَى التَّقْصِير، وَالتَّهَاوُن فِي الْأُمُور، قَالَهُ الْقَارِي، وَقَالَ فِي فَتْح الْوَدُود: أَيْ: لَا يَرْضَى بِالْعَجْزِ, وَالْمُرَاد بِالْعَجْزِ هَا هُنَا ضِدّ الْكَيْس: وَلَكِنْ عَلَيْك بِالْكَيْسِ ـ بِفَتْحٍ فَسُكُون أَيْ: بِالِاحْتِيَاطِ، وَالْحَزْم فِي الْأَسْبَاب.
وقال الشيخ عبد المحسن العباد: ومعنى هذا أن الإنسان مطلوب منه الحزم، ومطلوب منه الاحتياط، ومطلوب منه أنه يحافظ على أموره وشؤونه، وأن يأخذ بالأسباب التي يكون فيها حفظ حقه، وإذا فاته شيء بعد ذلك فإنه يقول: حسبي الله ونعم الوكيل، أما أنه لا يأخذ بالأسباب ثم يقول: حسبي الله ونعم الوكيل مع عجزه وكسله، فهذا هو العجز الذي جاء في هذا الحديث.
وفي صحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: المؤمن القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف، وفي كل خير، احرص على ما ينفعك، واستعن بالله، ولا تعجز، وإن أصابك شيء فلا تقل: لو أني فعلت كان كذا وكذا، ولكن قل: قدر الله وما شاء فعل، فإن لو تفتح عمل الشيطان.
قال ابن الجوزي: الإشارة بالقوة ها هنا إلى العزم، والحزم، والاحتياط، لا إلى قوة البدن.
وقال ابن عثيمين: وهذا الحديث عظيم ينبغي للإنسان أن يجعله نبراسًا له في عمله الديني والدنيوي؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: احرص على ما ينفعك ـ وهذه الكلمة جامعة عامة على ما ينفعك، أي: على كل شيء ينفعك سواء في الدين، أو في الدنيا، فإذا تعارضت منفعة الدين ومنفعة الدنيا... ولا تعجز ـ يعني: استمر في العمل، ولا تعجز وتتأخر، وتقول: إن المدى طويل، والشغل كثير، فما دمت قد صممت في أول الأمر أن هذا هو الأنفع لك، واستعنت بالله وشرعت فيه، فلا تعجز. اهـ.
وقال الحسن البصري: العاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله الأماني.
وقد كره السلف الصالح للإنسان تضييع وقته فيما لا ينفعه في أمر دينه ودنياه، وانظر الفتوى رقم: 76064.
وإذا كان رفاقك من أهل المناطق المنكوبة حريصين كل الحرص على الدراسة على الرغم من ظروفهم الصعبة، فأولى بك أن تلوم نفسك على ما آل إليه حالك، وتنفض عنك العجز والكسل، فعليك بالجد والاجتهاد، وأخذ النفس بالحزم والعزم، وتوكل على الله عز وجل في استعادة تفوقك، وادع الله عز وجل، فقد كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم: اللهم إني أعوذ بك من العجز والكسل. متفق عليه.
واعلم أن الاجتهاد في طلب العلم النافع يثاب عليه المرء، سواء كان علمًا دينيًا أم دنيويًا طالما حسنت نيته فيه، وانظر الفتوى رقم: 50038، وما أحيل عليه فيها.
إضافة إلى أن إدخالك السرور على قلب أهلك بتفوقك في دراستك مما تثاب عليه أيضًا ـ إن شاء الله ـ.
والله أعلم.