الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

عدم مشروعية تنفيذ أمر المدير إن كان يؤدي لأكل أموال الغير بالباطل

السؤال

أعمل محاسبا في شركة مقاولات، والمدير المسؤول يأكل أموال المقاولين ويقول لي إن هذا المقاول أخذ مبلغا معينا، فأقول له لا لم يأخذه وليس عندي إثبات أنه أخد المبلغ الذي تقوله، فيقول لي قل له إن الوصلات ضاعت... وأنا في حيرة، فماذا أعمل مع المقاول؟ وضميري غير مرتاح، وهل أنفذ كلام المدير وأبلغه بالمبلغ الصحيح، مع العلم أن المدير قال لي له مبلغ معين فقط لا غير؟.

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فلا مجال للحيرة في غش الناس وأكل أموالهم بالباطل، فهذا حرام لا يجوز فعله ولا الإعانة عليه، فقد قال الله تعالى: وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ {البقرة: 188}.

قال السعدي: أي: ولا تأخذوا أموالكم أي: أموال غيركم، أضافها إليهم، لأنه ينبغي للمسلم أن يحب لأخيه ما يحب لنفسه ويحترم ماله كما يحترم ماله، ولأن أكله لمال غيره يجرئ غيره على أكل ماله عند القدرة... ويدخل في ذلك: أكلها على وجه الغصب والسرقة والخيانة في وديعة أو عارية، أو نحو ذلك، ويدخل فيه أيضا: أخذها على وجه المعاوضة بمعاوضة محرمة، كعقود الربا، والقمار كلها، فإنها من أكل المال بالباطل، لأنه ليس في مقابلة عوض مباح، ويدخل في ذلك: أخذها بسبب غش في البيع والشراء والإجارة، ونحوها، ويدخل في ذلك: استعمال الأجراء وأكل أجرتهم، وكذلك أخذهم أجرة على عمل لم يقوموا بواجبه... فكل هذا ونحوه من أكل المال بالباطل، فلا يحل ذلك بوجه من الوجوه، حتى ولو حصل فيه النزاع وحصل الارتفاع إلى حاكم الشرع، وأدلى من يريد أكلها بالباطل بحجة، غلبت حجة المحق، وحكم له الحاكم بذلك، فإن حكم الحاكم لا يبيح محرما، ولا يحلل حراما، إنما يحكم على نحو مما يسمع، وإلا فحقائق الأمور باقية، فليس في حكم الحاكم للمبطل راحة، ولا شبهة، ولا استراحة، فمن أدلى إلى الحاكم بحجة باطلة، وحكم له بذلك فإنه لا يحل له، ويكون آكلا لمال غيره بالباطل والإثم، وهو عالم بذلك، فيكون أبلغ في عقوبته، وأشد في نكاله. اهـ.

وقال سبحانه: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا {النساء: 29ـ 30}.

قال السعدي: وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ـ أي: أكل الأموال بالباطل وقتل النفوس: عُدْوَانًا وَظُلْمًا ـ أي: لا جهلا ونسيانا: فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ـ أي: عظيمة، كما يفيده التنكير: وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا. اهـ.

فلا يجوز للسائل تنفيذ أمر مديره الذي يعلم أنه من أكل أموال الناس بالباطل، ولو أدى ذلك إلى فصله من هذا العمل، قال الله تعالى: وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ {المائدة :2}.

وراجع الفتوى رقم: 73189.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني