السؤال
ما الحكمة من قوله تعالى في الآية (65) من سورة الأنفال: (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين) الآية. فذكر العدد عشرين والعدد مائة، ثم ذكر في آية التخفيف التي تليها العدد مائة والعدد ألف حين قال (... فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين وإن يكن منكم ألف يغلبوا ألفين..) الآية. فهل يعني هذا أنه تعالي لم يوجب علي المؤمنين بعد التخفيف قتال الكفار لو كان عدد المؤمنين أقل من مائة مقاتل. بمعني أنه لو كان عدد المؤمنين تسعين وعدد الكفار مائة وثمانون لا يجب على المؤمنين القتال وقتها، ولا تجري على المقاتلين أحكام الفرار، وأن الحكم الأول قبل التخفيف كان لا يوجب على المؤمنين القتال إذا قل عددهم عن عشرين مقاتل. وجزاكم الله خيرا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإنا ننبهك في البداية إلى أن نص الآيتين هو: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَا يَفْقَهُونَ * الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللَّهِ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {الأنفال65 :66}، ثم ان العدد هنا ليس معتبرا ، والمعنى أنه لا يجوز قبل النسخ فرار المسلم الواحد عن العشرة ولا فرار العشرة عن المائة ، ولا يجوز بعد النسخ فرار الواحد عن اثنين ولا فرار العشرة عن العشرين فقد قال الشوكاني : كانوا مأمورين من جهة الله سبحانه بأن تثبت الجماعة منهم لعشرة أمثالهم، ثم لما شق ذلك عليهم واستعظموه، خفف عنهم، ورخص لهم لما علمه سبحانه من وجود الضعف فيهم، فقال: فإن يكن منكم مائة صابرة يغلبوا مائتين إلى آخر الآية، فأوجب على الواحد أن يثبت لاثنين من الكفار. اهـ
وجاء في تفسير ابن كثير : ثم قال تعالى مبشرا للمؤمنين وآمرا: إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين وإن يكن منكم مائة يغلبوا ألفا من الذين كفروا. كل واحد بعشرة، ثم نسخ هذا الأمر وبقيت البشارة. قال عبد الله بن المبارك: حدثنا جرير بن حازم، حدثنا الزبير بن الحريث، عن عكرمة عن ابن عباس، قال: لما نزلت إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مائتين. شق ذلك على المسلمين، حتى فرض الله عليهم أن لا يفر واحد من عشرة، ثم جاء التخفيف، فقال: الآن خفف الله عنكم إلى قوله يغلبوا مائتين. قال خفف الله عنهم من العدة، ونقص من الصبر، بقدر ما خفف عنهم. وروى البخاري من حديث ابن المبارك نحوه. وقال سعيد بن منصور: حدثنا سفيان عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس في هذه الآية، قال: كتب عليهم أن لا يفر عشرون من مائتين، ثم خفف الله عنهم، فقال الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا فلا ينبغي لمائة أن يفروا من مائتين، وروى البخاري عن علي بن عبد الله عن سفيان به نحوه، وقال محمد بن إسحاق حدثني ابن أبي نجيح، عن عطاء عن ابن عباس، قال: لما نزلت هذه الآية ثقلت على المسلمين، وأعظموا أن يقاتل عشرون مائتين، ومائة ألفا، فخفف الله عنهم فنسخها بالآية الأخرى، فقال الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعفا الآية، فكانوا إذا كانوا على الشطر من عدوهم، لم يسغ لهم أن يفروا من عدوهم، وإذا كانوا دون ذلك، لم يجب عليهم قتالهم، وجاز لهم أن يتحوزوا عنهم .... اهـ
والله أعلم.