الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

نكاح الشغار محرم مطلقًا

السؤال

سؤالي يتعلق بزواج البدل: وهو أن أحد أقاربي يحب إحدى قريباته، وهي أيضا كذلك، وقد دامت القصة لسنوات، ولكن ليس بينهما أي كلام، وقد تقدم لخطبتها، وتم القبول، ولكن طلب والد البنت أخت الشاب لابنه إن تمت الموافقة، وبعد مرور بضعة شهور حصلت مشاكل بين الآباء مما أدى إلى أن والد الفتاة اشترط أن يقبل الشاب بتزويج ابنه من أخته أو دفع مبلغ كبير من المال، ولكن هناك قبول من الطرفين من الفتاتين والشابين، وتمت الخطبة، ولكن لا زالت هناك مشاكل بين الآباء، وكل واحد منهم يحاول فرض كلامه، بينما الأبناء يرغبون ببعضهم البعض.
فما الحكم في ذلك؟ وماذا على الأبناء فعله؟ وكيف يجب التصرف مع الآباء في هذه الحالة؟ وهل هذا يعتبر من الشغار المنهي عنه؟

الإجابــة

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فللشغار عدة صور، اتفق العلماء على حرمة واحدة منها، وهي: ما يعرف بصريح الشغار، أما ما عداها فاختلفوا فيه كما بينا في الفتوى رقم:6903.

والراجح: أن الشغار محرم مطلقًا ولو سمي فيه المهر؛ جاء في مجموع فتاوى ابن باز: والصواب: أنه لا يجوز مطلقا سواء كان فيه مهر أم لم يكن فيه مهر، هذا هو أرجح قولي العلماء في هذه المسألة، وهو الموافق للأحاديث الصحيحة، وهو الموافق للمعنى الذي من أجله حرم الله الشغار، الذي هو البدل، ونهى عنه النبي -عليه الصلاة والسلام-، لما يترتب عليه من المفاسد العظيمة، وإن سمي فيه مهر. اهـ.

وعليه؛ فلا يجوز ما أقدم عليه والد البنت من اشتراط زواج ابنه من أخت الخاطب؛ جاء في فتاوى نور على الدرب لابن عثيمين: لا يجوز أن يمتنع أحد من تزويج موليته إلا إذا زوجه الخاطب موليته؛ فإن هذا محرم ولا يجوز، وهو من نكاح الشغار الذي نهى النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه، وذلك لأن المرأة أمانة بيد وليها، فإذا فتح الباب للأولياء في هذا صارت النساء لعبا بأيدي أوليائهن يزوجها من يحقق له رغبته ولو كان غير كفء، ويمنعها ممن لا يحقق له رغبته وإن كان كفأ، وهذا خلاف الأمانة التي أمر الله تعالى بأدائها إلى أهلها، وهو من الخيانة التي نهى الله عنها، قال الله -عز وجل-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا) وقال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ). اهـ.

وينبغي أن يُنصح، ويبين له الحكم الشرعي في المسألة، فإن بقي على إصراره وكانت المرأة راغبة في الزواج من ذلك الشاب وكان كفؤا لها، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأولياء، ثم إلى القاضي إن امتنعوا، قال العلامة ابن عثيمين -رحمه الله-: إذا منع الولي تزويج امرأة بخاطب كفء في دينه وخلقه، فإن الولاية تنتقل إلى من بعده من الأقرباء العصبة الأولى فالأولى، فإن أبوا أن يزوجوا كما هو الغالب، فإن الولاية تنتقل إلى الحاكم الشرعي، ويزوج المرأة الحاكم الشرعي، ويجب عليه إن وصلت القضية إليه وعلم أن أولياءها قد امتنعوا عن تزويجها أن يزوجها؛ لأن له ولاية عامة ما دامت لم تحصل الولاية الخاصة. اهـ.

وننصح - في كل الأحوال - بالرجوع إلى المحكمة الشرعية في البلد أو ما يقوم مقامها لكي تنظر في تحقق ( العضل )، وفي تفاصيل المسألة برمتها عن قرب.

وما قلناه عن هذا الطرف يقال مثله عن الطرف الآخر بلا فرق، علمًا بأنه يجب تجنب الربط بين الزواجين؛ لأن الربط بينهما وجعل حصول أي منهما شرطًا في حصول الآخر هو الشغار عينه كما قدمنا.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

المقالات

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني