السؤال
هل يمكن حدوث الخلاف بعد إجماع الصحابة على مسألة ما؟
وكذلك أيضا هل يجوز إجماع العلماء على مسألة معينة قد اختلف فيها الصحابة؟ فكثيرا ما ينقل بعض أهل العلم الإجماع في مسألة، ونسمع بعض العلماء يقول: لا يجوز مخالفة هذا الإجماع، ومن يخالفه يكون مبتدعا، فما حكم اجتهاد عالم إذن في مسألة يرى فيها مخالفة الإجماع، كابن تيمية -رحمه الله- واختياراته الفقهية!
والسؤال الآخر: ما حكم من يدعي الإجماع بعد اختلاف الصحابة أو الاختلاف بعد إجماع الصحابة إلا في المسائل المستحدثه أو الضرورات؟ أنا أعلم أن الحكم يدور مع العلة، ولكن أقصد: المسائل التي اشتهرت بين العلماء، فلا أظن -إن لم أكن واهما- انعقاد إجماع بعد اختلاف الصحابة أو وجود اختلاف بعد إجماع الصحابة، حيث إن عصر النبي -صلى الله عليه وسلم- والصحابة هو عصر التشريع، والصحابة -رضوان الله عليهم- هم أفهم الناس لكلام النبي -صلى الله عليه وسلم- ومقصده، فكيف بمن يدعي الإجماع في مسألة قد اختلف فيها الأولون، وأن ينقل إلينا هذا الإجماع؟!
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فقد بينا بالفتوى رقم: 202156 مسألة الإجماع الواقع بعد الخلاف، وهل يرتفع به الخلاف؟ وكذلك وقوع الإجماع بعد اختلاف الصحابة، وغيرهم، فراجعها، ففيها جواب مسألتك.
وشيخ الإسلام لا يخالف الإجماع، ولكن يُخطِّئ من نقل الإجماع، وإلا فهو القائل: وكل قول ينفرد به المتأخر عن المتقدمين ولم يسبقه إليه أحد منهم، فإنه يكون خطأ، كما قال الإمام أحمد بن حنبل: إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام. انتهى.
وقال في الإخنائية: الوجه الثامن: إن المجيب -يقصد نفسه- ولله الحمد لم يقل قط في مسألة إلا بقول قد سبقه إليه العلماء، فإن كان قد يخطر له ويتوجّه له فلا يقوله وينصره إلا إذا عرف أنه قد قال بعض العلماء، كما قال الإمام أحمد: «إياك أن تتكلم في مسألة ليس لك فيها إمام» فمن كان يسلك هذا المسلك كيف يقول قولا يخرق به إجماع المسلمين، وهو لا يقول إلا ما سبقه إليه علماء المسلمين؟! فهل يتصوّر أن يكون الإجماع واقعا في موارد النزاع؟ ولكن من لم يعرف أقوال العلماء قد يظن الإجماع من عدم علمه النزاع، وهو مخطئ في هذا الظن لا مصيب. ومن علم حجة على من لم يعلم، والمثبت مقدم على النافي. انتهى.
والإجماع بعد عصر الصحابة حجة عند الجمهور؛ قال الغزالي في المستصفى: ذهب داود وشيعته من أهل الظاهر إلى أنه لا حجة في إجماع من بعد الصحابة، وهو فاسد؛ لأن الأدلة الثلاثة على كون الإجماع حجة -أعني: الكتاب والسنة والعقل- لا تفرق بين عصر وعصر، فالتابعون إذا أجمعوا فهو إجماع من جميع الأمة، ومن خالفهم فهو سالك غير سبيل المؤمنين، ويستحيل بحكم العادة أن يشذ الحق عنهم مع كثرتهم عند من يأخذه من العادة... انتهى.
وانظر للفائدة فصل: إجماع أهل كل عصر حجة، من المسودة في أصول الفقه لآل تيمية.
وأما من حكى الإجماع فيما اختلف فيه الأولون: فلعله لم يبلغه الخلاف؛ فقد يهم العالم في نقل الإجماع، كما قد يقع الخطأ من الراوي الثقة، فيُرد خطؤه، ولا يُرد جميع ما نقله.
ولا مانع من أن ينتهي الخلاف، كما حصل في مسألة مانعي الزكاة المذكورة بالفتوى رقم: 202156.
والله أعلم.