السؤال
1- كيف أوفق بين حديث النبي -صلى الله عليه وسلم-: (إنَّ اللهَ تجاوز لأمَّتي ما حدَّثت به أنفُسَها، ما لم تعمَلْ به أو تكلَّم) وبين حديث: (العينُ تَزني، والقلبُ يَزني؛ فزِنا العينِ النظَرُ، وزِنا القلبِ التمَنِّي، والفَرجُ يُصَدِّقُ ما هُنالِكَ أو يُكَذِّبُ)؟ فأحيانا الشاب العازب يتخيل المعاشرة الجنسية، وتحدثه نفسه بالزنا، لكنه لا يرضى أن يزني، ولا حتى يفكر لحظة في أن يترجم ذلك إلى واقع.
2- وهل إذا تخيل ذلك يكون كمن نظر إلى الحرام أو استمع إليه؟
3- وهل درجات الزنا من الكبائر كالزنا نفسه؟
الإجابــة
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالحديث الأول قد يُفهم منه العفو عما في القلب من الخواطر، ما لم تتحول إلى قول أو عمل، والحديث الثاني سمَّى تمني القلب زنا، وقد جمع العلماء بين الحديثين من أوجه:
1- أن زنا القلب هو إصراره، وهوعمل قلبي، وليس مجرد الخواطر؛ قال القاري في المرقاة تعليقًا على قوله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث: "والنفس تمنى وتشتهي": (والنفس) أي: القلب كما في الرواية الآتية، ولعل النفس إذا طلبت تبعها القلب (تمنى): بحذف أحد التاءين، (وتشتهي): لعله عدل عن سنن السابق، لإفادة التجديد أي: زنا النفس تمنيها، واشتهاؤها وقوع الزنا الحقيقي، والتمني أعم من الاشتهاء؛ لأنه قد يكون في الممتنعات دونه، وفيه دلالة على أن التمني إذا استقر في الباطن، وأصر صاحبه عليه، ولم يدفعه يسمى زنا، فيكون معصية، ويترتب عليه عقوبة، ولو لم يعمل، فتأمل. انتهى.
2- تفسير زنا القلب، وهو تمنيه بتحريكه الجوارح تجاه ذلك، وهو عمل أيضا؛ قال الطيبي في شرح المشكاة: ثم انبعاث القلب إلى الاشتهاء والتمني، ثم استدعائه منه قصارى ما يشتهي ويتمنى باستعمال الرِّجلين في المشي، واليدين في البطش، والفرج في تحقيق مشتهاه، فإذا مضى الإنسان على ما استدعاه القلب حقق متمناه، وإذا امتنع عن ذلك خيبه فيه، بحالة رجل يخبره صاحبه بما يزينه له ويغريه عليه، فهو إما يصدقه بذلك ويمضي إلى ما أراده منه، أو يكذبه ويأبى عما دعاه إليه. انتهى.
3- حمل جمع الحديث على أنه من اللمم المعفو عنه، وعلى هذا فسروا نظر العين بنظر الفجأة، وتمني القلب بالخواطر المعفو عنها؛ قال ابن هبيرة في الإفصاح: وقد يعني ابن عباس النظر والكلام والبطش كله لمّا، واللمم مغفور. فأما الذي أراه في ذلك: فهو ما تبصره عين عن غير قصد، فذلك المغفور، فلذلك سمي لمًّا من ألمّ الرجل بالقوم إذا جاءهم في طريقه إلى غيرهم، فكذلك ما تمشي إليه الرجل من الخطى من غير قصد من الماشي؛ وكذلك نطق اللسان مما يكون من الفرج يصدق جميع ذلك أو يكذبه. والأولى للمسلم كف أطرافه عن ما يتطرق إليه تكذيب الفرج أو تصديقه. انتهى.
وعلى هذا يزول الإشكال.
ولا يجوز للمسلم أن يشغل نفسه بالتفكير في الحرام، فقد يؤدي به ذلك إلى ما لا تحمد عقباه، والعاقل لا يشغل عقله إلا بما ينفعه.
وراجع الفتاوى التالية أرقامها: 8685، 8993، 33239؛ فقد بينا فيها تحريم ذلك، وقد يلحق ذلك بالنظر إلى الحرام، أو الاستماع له، وقد يكون النظر أو الاستماع أشد أو أخف بحسب أثره على القلب؛ فقد تكون الفتنة بالقلب أشد، وقد تكون بالعين أشد، ولا نعرف نصًّا يفاضل بينهما.
والله أعلم.