الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

حكم استخدام البصمة الوراثية لتحديد النسب وإثبات صحة الانتساب إلى القبائل

السؤال

ظهر حديثا علم تحليل البصمة الوراثية "D N A " حيث من الممكن معرفة أصول الشخص، ونسبه إلى آدم عليه السلام، والقبائل والعشائر التي يلتقي معها الشخص، وقد أجرته العديد من القبائل، والأسر، وأثبت صحته في تحديد الأنساب، والأقارب من جهة الأب والأجداد، والالتقاء معهم.
فهل يجوز لي عمل هذه الاختبار لتحديد نسبنا؛ حيث إننا حلفاء مع إحدى القبائل، ونجهل نسبنا بسبب نزوح جدنا التاسع، وأود معرفة نسبنا الصحيح، وأقرب القبائل لي نسباً، وليس الهدف الفخر المنهي عنه، أو الطعن في الأنساب، بل لمعرفة نسبي الصحيح؟
وجزاكم الله خيرا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:

فليست البصمة الوراثية سبيلا شرعيا لإثبات الأنساب، إلا في أحوال خاصة، كالاشتباه في نسب المولود، وحصول التنازع عليه! وراجع الفتوى رقم: 125471.

وأما استعمالها لمعرفة الأجداد، والانتساب إلى القبيلة، فلا نعلم قائلا به ممن يرجع إلى قوله من علماء العصر. ولا يخفى ما قد يجره البحث في ذلك من الطعن في الأنساب، وما قد يترتب عليه من تلويث السمعة، ولحوق العار، إذا أظهرت النتائج بُعْد الفاحص عن نسبه القريب، فضلا عن النسب البعيد الذي يبحث عنه!
ثم إن البصمة الوراثية وإن كانت طريقة علمية، موثوقة في الغالب، ونتائجها شبه مضمونة، إلا إنها ليست قطعية يقينية.

قال الدكتور عمر السبيل في بحثه: (البصمة الوراثية، ومدى مشروعية استخدامها في النسب والجناية): نتائج البصمة قد لا تكون دقيقة؛ لما قد يحصل أثناء إجراءات الفحص من أخطاء بشرية ومعملية، كاختلاط العينات المأخوذة من شخص، بعينات لشخص آخر، أو بسبب خطأ خبير البصمة الوراثية، أو غيره من العاملين في مختبرات الفحص الوراثي في أي إجراء من الإجراءات، أو بسبب عدم العناية التامة بتعقيم، ونظافة آلات الفحص، وغير ذلك من أخطاء بشرية، ومعملية قد تؤثر على نتيجة البصمة، وقد أكد حصول ذلك بعض الأطباء المختصين بقوله: "فإن هناك كثيرا من الأخطاء المعملية، سواء كانت في الإضافات، أو في طريقة الفحص، أو في طريقة العمل، أو في الشخص نفسه، أو في السلوكيات التي يسلكها الباحث، أو مساعد الباحث، فهناك محاذير يجب أن تؤخذ في الاعتبار ...". وقال آخر: "ولو حصل نقطة صغيرة ولو غبار في المعمل، أتى على هذا الدم لخبط النتيجة كلها، ولذلك فإن مكمن خطورة البصمة في دقتها، فأي تلوث بسيط يعطي نتيجة معاكسة" ... اهـ.
وهنا ننبه على أن الأنساب الثابتة بطريقة شرعية، لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحتها.

فقد نص قرار مجمع الفقه الإسلامي على أنه: لا يجوز استخدام البصمة الوراثية بقصد التأكد من صحة الأنساب الثابتة شرعًا، ويجب على الجهات المختصة منعه، وفرض العقوبات الزاجرة؛ لأن في ذلك المنع حماية لأعراض الناس، وصونًا لأنسابهم. اهـ.
وقال الدكتور عمر: النسب إذا ثبت بإحدى الطرق الشرعية، فإنه لا يجوز نفيه البتة، إلا عن طريق اللعان؛ للأدلة الدالة على ذلك، وقد دلت قواعد الشرع أيضا على أنه لا يجوز محاولة التأكد من صحة النسب بعد ثبوته شرعا؛ وذلك لاتفاق الشرائع السماوية على حفظ الضروريات للحياة الإنسانية، ومنها حفظ النسب والعرض، ولما جاءت به هذه الشريعة المباركة من جلب للمصالح، ودرء للمفاسد، وحيث إن محاولة التأكد من صحة الأنساب الثابتة، فيه قدح في أعراض الناس، وأنسابهم يؤدي إلى مفاسد كثيرة، ويلحق أنواعا من الأضرار النفسية، والاجتماعية بالأفراد، والأسر والمجتمع، ويفسد العلاقات الزوجية، ويقوض بنيان الأسر، ويزرع العداء والبغضاء بين الأقارب والأرحام، لهذا كله فإنه لا يجوز محاولة التأكد من صحة النسب عن طريق البصمة الوراثية ولا غيرها من الوسائل، كما أنه لو تم إجراء الفحص بالبصمة الوراثية للتأكد من نسب شخص من الأشخاص، وأظهرت النتائج خلاف المحكوم به شرعا من ثبوت النسب، فإنه لا يجوز الالتفات إلى تلك النتائج، ولا بناء أي حكم شرعي عليها؛ لأن النسب إذا ثبت ثبوتا شرعيا، فإنه لا يجوز إلغاؤه وإبطاله إلا عن طريق واحد، وهو اللعان. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني