السؤال
تأتي في خاطري أحيانًا، وأستحيي من الإفصاح عنها عندما أرى رجلًا في الشارع، أو في التلفاز، وﻻ أدري ما سبب ذلك، ويعلم الله أنني أغض بصري عن الرجال، وأراعي الله في زوجي، وفي كل شيء، حتى قبل أن ألتقي به، ودائمًا أعمل جاهدة على فعل ما يرضي الله، وما يكون سببًا في أن يرزقني الله بالزوج الصالح ـ والحمد لله على زوجي ـ فأخبرت زوجي بهذه الفكرة التي تأتيني أحيانًا، وهذا لأنني تعودت معه على الصراحة المطلقة، وﻻ أرتاح إﻻ إذا فعلت ذلك، لكنه غضب غضبًا شديدًا، وقرر عدم التحدث معي لعدة أيام، وﻻ أعلم ما الذي سيحدث بعد ذلك، وعندما أرى رؤيا سيئة من الشيطان ﻻ أرتاح إﻻ إذا أخبرته بها، فهل ما يأتي في خاطري يدل على سوء في نفسي تجب عليّ التوبة منه؟ أم وسواس من الشيطان ليوقع بيني وبين زوجي؟ وهل أخطأت حين أخبرت زوجي بما دار في خاطري؟ وكيف أمنع خاطرًا مثل هذا؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله، وصحبه، أما بعد:
فإن الذي ينبغي للمسلم عند ورود خواطر السوء على قلبه أن ينفر منها، ويدافعها، وأن يتعوذ بالله منها.
وهجوم الخواطر الرديئة على القلب لا يلزم منه سوء نفس صاحبها، فالخواطر قد تعرض للمؤمن، لكن المذموم هو استجلاب الخواطر، أو الاسترسال معها، والركون إليها، قال ابن القيم: ومعلوم أنه لم يعط الإنسان إماتة الخواطر، ولا القوة على قطعها، فإنها تهجم عليه هجوم النفس، إلا أن قوة الإيمان والعقل تعينه على قبول أحسنها، ورضاه به، ومساكنته له، وعلى دفع أقبحها، وكراهته له، ونفرته منه، كما قال الصحابة: يا رسول الله، إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة أحب إليه من أن يتكلم به، فقال: أوقد وجدتموه؟ قالوا نعم، قال: ذاك صريح الإيمان ـ وفي لفظ: الحمد لله الذي رد كيده إلى الوسوسة ـ وفيه قولان: أحدهما: أن رده، وكراهيته صريح الإيمان، والثاني: أن وجوده، وإلقاء الشيطان له في النفس صريح الإيمان، فإنه إنما ألقاه في النفس طلبًا لمعارضة الإيمان، وإزالته به. اهـ.
وقال: وثمرة هذه السكينة الطمأنينة للخير تصديقًا وإيقانًا، وللأمر تسليمًا وإذعانا، فلا تدع شبهة تعارض الخير، ولا إرادة تعارض الأمر، فلا تمر معارضات السوء بالقلب إلا وهي مجتازة من مرور الوساوس الشيطانية التي يبتلى بها العبد ليقوى إيمانه، ويعلو عند الله ميزانه، بمدافعتها، وردها، وعدم السكون إليها. اهـ.
وأما تحديث الزوج بالخواطر الجنسية: فخطأ ظاهر، فهو يفضي إلى مفاسد، من سوء ظن الزوج بزوجته، ونحوه، فيتأكد المنع من تحديث الزوج بمثل تلك الخواطر الرديئة.
وأما الأحلام: فالأمر فيها أجلى؛ لورود السنة بالنهي عن التحديث بالأحلام المكروهة التي تكون من الشيطان، ففي صحيحي البخاري، ومسلم عن عبد ربه بن سعيد، قال: سمعت أبا سلمة، يقول: لقد كنت أرى الرؤيا فتمرضني، حتى سمعت أبا قتادة، يقول: وأنا كنت لأرى الرؤيا تمرضني، حتى سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: الرؤيا الحسنة من الله، فإذا رأى أحدكم ما يحب، فلا يحدث به إلا من يحب، وإذا رأى ما يكره فليتعوذ بالله من شرها، ومن شر الشيطان، وليتفل ثلاثًا، ولا يحدث بها أحدًا، فإنها لن تضره.
وترجم عليه البخاري: باب إذا رأى ما يكره، فلا يخبر بها، ولا يذكرها .اهـ.
وفي صحيح مسلم عن جابر، قال: جاء أعرابي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله رأيت في المنام كأن رأسي ضرب فتدحرج، فاشتددت على أثره، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للأعرابي: لا تحدث الناس بتلعب الشيطان بك في منامك. وقال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم بعد يخطب فقال: لا يحدثن أحدكم بتلعب الشيطان به في منامه.
قال القرطبي في المفهم: دليلٌ على منع أن يخبر الإنسان بما يراه في منامه مما يكرهه، مما يظن أنه من الشيطان. اهـ.
ولا يبعد أن يستدل بالنهي الوارد عن التحديث بالأحلام المكروهة على النهي عن التحديث بالخواطر الرديئة في اليقظة، بجامع أن كليهما مصدره الشيطان.
فالمتعين عليك هو مدافعة ما يأتيك من خواطر، والتعوذ بالله منها، وألا تحدثي بها زوجك.
ولا ينبغي أن تحملك الخواطر على الحزن، والغم، وجلد الذات، والمبالغة في محاسبة النفس، فإن للشيطان أربًا في تأييس المسلم، وتحزينه.
وراجعي لمزيد الفائدة حول كيفية مقاومة الخواطر والتخيلات الرديئة الفتويين رقم: 148451، ورقم: 224161.
والله أعلم.