الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فالقاضي المباشر للمسألة أدرى منا بحيثياتها وتفاصيلها، وليس من اختصاصنا التعقيب على أحكام القضاء.
ولكن نفيد السائل بأن الإقرار حجة قاصرة؛ كما هو معروف، فإذا أقر أحد الورثة بدَين على مورثه فإنّ إقراره قاصر على نفسه ولا يتعداه إلى بقية الورثة المنكرين؛ جاء في القواعد الفقهية وتطبيقاتها في المذاهب الأربعة لمحمد مصطفى الزحيلي: إذا ادعى غريم دَينًا على التركة بحضور أحد الورثة، فإن أقر الوارث بدين المُوَرِّث يؤاخذ بإقراره، ولكن يكون إقراره مقصورًا على نفسه، فيأخذ المقر له من حصته فقط، ولا يأخذ من بقية الورثة، لأن إقرار رفيقهم لا يسري عليهم. اهـ.
وقد اختلف أهل العلم في مسألة إقرار أحد الورثة بدَين على مورثه مع إنكارهم؛ فمنهم من قال: يلزمه من الدين بقدر ميراثه. ومنهم من قال: يلزمه جميع الدين أو جميع ميراثه. جاء في المغني لابن قدامة: وإن أقر أحدهم, لزمه من الدين بقدر ميراثه, والخيرة إليه في تسليم نصيبه في الدين أو استخلاصه. وإذا قدره من الدين, فإن كانا اثنين, لزمه النصف, وإن كانوا ثلاثة, فعليه الثلث. وبهذا قال النخعي, والحسن, والحكم, وإسحاق, وأبو عبيد, وأبو ثور, والشافعي في أحد قوليه. وقال أصحاب الرأي: يلزمه جميع الدين, أو جميع ميراثه. وهذا آخر قولي الشافعي رجع إليه بعد قوله كقولنا; لأن الدين يتعلق بتركته, فلا يستحق الوارث منها إلا ما فضل من الدين; لقول الله تعالى: {من بعد وصية يوصي بها أو دين}. ولأنه يقول: ما أخذه المنكر أخذه بغير استحقاق. فكان غاصبًا, فتعلق الدَّين بما بقي من التركة, كما لو غصبه أجنبي.
ولنا: أنه لا يستحق أكثر من نصف الميراث, فلا يلزمه أكثر من نصف الدين, كما لو أقر أخوه, ولأنه إقرار يتعلق بحصته وحصة أخيه, فلا يجب عليه إلا ما يخصه, كالإقرار بالوصية, وإقرار أحد الشريكين على مال الشركة, ولأنه حق لو ثبت ببينة, أو قول الميت, أو إقرار الوارثين, لم يلزمه إلا نصفه, فلم يلزمه بإقراره أكثر من نصفه, كالوصية, ولأن شهادته بالدَّين مع غيره تقبل, ولو لزمه أكثر من حصته لم تقبل شهادته; لأنه يجر بها إلى نفسه نفعًا. اهـ.
فعلى القول الأول؛ يلزم الأم من الدَّين بقدر ميراثها، ومعروف أنها ترث السدس في الحالة المذكورة، وسدس 3800 هو 633 وثلث دينار.
وعلى القول الثاني؛ إن كان ميراثها من ابنها 3800 ما فوق تسدد جميع المبلغ، وإن كان أقل تسدد جميع ما ورثت.
والله أعلم.