السؤال
هل يُعتبر من التكلف والتّصنع حينما يظهر الإنسان نفسه أمام الجيران والأقارب والأصدقاء بأنهُ لطيف وهادئ بخلاف ما هو عليه بين والديه وإخوته، حيث الشخصية الحادّة والانفعالية! ولا سيما حينما يحس الإنسان نفسه في تلك الحالة كشخص يعاني من انفصام في الشخصية، حيث يظهر بوجهين؟ وهل هناك عذر أو رخصة للإنسان ذي الطبع العصبي الحاد الذي لا يمسك أعصابه في بيته! ولكنه يتأدب ويتجلّد خارج البيت وأمام ضيوفه في البيت، وكل من هو خارج البيت، ويمسك أعصابه، وإذا أزعجه أحدٌ ما خارج البيت، فإنه لا يغضب، وإنما يكتم ذلك في صدره، ولكنه بخلاف ذلك إن كان في بيته، أو إذا أزعجه أحد إخوته أو والديه، فسرعان ما يتذمر ويغضب، خاصةً أن تلك الصفة هي طبعه وسجيته؟.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فأولى الناس بخير الإنسان وتفضله وتخلقه بالخلق الحسن هم الأهل والأقارب، فبر الوالدين، وصلة الرحم من أوجب الحقوق، ولذلك كان الإحسان إلى ذوي الرحم أفضل من الإحسان إلى الغير، فعن سلمان بن عامر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الصدقة على المسكين صدقة، وهي على ذي الرحم ثنتان: صدقة وصلة. رواه أحمد والترمذي والنسائي وابن ماجة.
فالإنسان إنما يمدح بالتغافل مع أهله، والحيطة والشجاعة تجاه غيرهم، قال النووي في شرح مسلم: في شرح حديث أم زرع: قالت الخامسة: زوجي إن دخل فهد، وإن خرج أسد، ولا يسأل عما عهد ـ هذا أيضا مدح بليغ، فقولها: فهد ـ بفتح الفاء وكسر الهاء تصفه إذا دخل البيت بكثرة النوم والغفلة في منزله عن تعهد ما ذهب من متاعه وما بقي، وشبهته بالفهد، لكثرة نومه، يقال أنوم من فهد، وهو معنى قولها: ولا يسأل عما عهد ـ أي لا يسأل عما كان عهده في البيت من ماله ومتاعه، وإذا خرج أسد بفتح الهمزة وكسر السين، وهو وصف له بالشجاعة، ومعناه إذا صار بين الناس أو خالط الحرب كان كالأسد، يقال أسد واستأسد. انتهى.
ونحن لا ننهى عن التسامح، وكظم الغيظ مع الناس، ولكن ننبه أن الأولى بكل خير ورفق وإفضال هم الأقارب، وانظر الفتوى رقم: 46076.
والتكلف هنا غير مذموم، فإنه من كظم الغيظ الذي شرعه الله، وأثنى على من التزمه، فقال: الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ {آل عمران:134}.
فكظم الغيظ لمن هو سريع الغضب نوع تكلف، لكنه ممدوح.
والله أعلم.